نساءٌ ورجال، آباءٌ وأمّهات، يصلون إلى سنّ معيّنة، بعد أن قدَّموا التَّضحيات في تربية أولادهم، الّذين تزوَّجوا بدورهم، أو صار لديهم انشغالاتهم العلميّة وغيرها، هؤلاء يدخلون في تجربة الوحدة والشّعور بالفراغ القاسي، البعض منهم قد تسمح لهم الظّروف بأن يجدوا لأنفسهم مجالاً للعمل والتّسلية، إمّا عبر متابعة الدراسة، وإمّا عبر فتح تجارة صغيرة أو ما شابه.
والبعض الآخر قد لا تسنح له الظّروف المادّيّة وغير المادّية، في إيجاد مساحةٍ يملأ فيها فراغه. وهنا، نطلّ على مسألة متعلّقة بما نقول، ألا وهي دور الأبناء والأقارب في مساعدة هؤلاء، وردّ الجميل لهم، عبر مساعدتهم في ملء فراغهم بما ينفعهم، من خلال نصيحتهم، والتّواصل معهم، وإرشادهم، وإشعارهم بأنهم لا يزالون قادرين على متابعة مسيرة حياتهم، واجتياز تجربة الفراغ، إمَّا بالمطالعة، أو الاهتمام بالحياة الاجتماعيّة، والمشاركة فيها بفعاليّة وإيجابيّة، أو التردُّد إلى المكتبات والمعارض والنّدوات الثقافيّة والدينيّة النافعة، أو ممارسة النّشاطات التّطوّعيّة العامّة.
وهنا، لا بدَّ للأولاد والأقارب من مواصلة الدّعم النفسيّ والمعنويّ لهؤلاء، ومساعدتهم في هذا المجال، لأنَّ دعمهم أساسيّ، ويشجِّعهم على مواصلة حياتهم، دون الشّعور بالغربة، والانقطاع عن الحياة، والسّقوط في دوّامة الفراغ.
إنّه شعور جميل أن نردَّ الجميل إلى آبائنا وأمَّهاتنا، بإعانتهم على عيش حياتهم براحةٍ وفعاليّةٍ واطمئنان. إنّها الرّوح الاجتماعيّة العالية الّتي لا يستغرق معها الإنسان في الذّات ومشاكلها وهمومها، وينسىى كبار السنّ ممّن هم في عهدته أو ممن يحتاجونه في الاهتمام والرّعاية، كما احتاجهم من قبل وكانوا له نعم الأهل والمربّين.
ولا بدَّ من أن تقوم الجمعيّات المدنيّة والاجتماعيّة والخيريّة بدورها في التّواصل مع كبار السّنّ وجذبهم، عبر تنشيط العمل التّطوعيّ والاجتماعيّ الموجَّه إليهم، بغية مساعدتهم على الاندماج الاجتماعيّ الفعليّ والمؤثّر، بما يعينهم على سدّ فراغهم.
أن نلتفت إلى الكبار، ونبقي جذوة التّفاؤل والعطاء متّقدةً في نفوسهم، واجب أخلاقيّ وإنسانيّ على الجميع، فعودة الدّفء إلى حيواتهم، يعني عودة الدّفء إلى كلِّ الحياة، وهو ما يبرز روح التّرابط الأسريّ واستمراريّتها، بعيداً عن كلِّ المؤثّرات السّلبيَّة في إنسانيَّة الإنسان وحياته الخاصَّة والعامَّة.
فالعلاقة بين الأبناء وبين الآباء والأمَّهات، لا بدَّ من أن تنطلق من عمق المسؤوليّة بالإحسان إلى الأهل، عبر التّخفيف من كلّ الأجواء الضّاغطة عليهم، وأن يحسِنَ الأبناء إليهم بالكلمة الطيّبة، والموقف الطيّب، والاهتمام الطيّب، لتظلّ حياتهم ممتلئة بالحيويّة والحركيّة المطلوبة، حيث تشعرهم بالابتعاد عن الكآبة والخواء والفراغ.
وعن المسؤوليّة حيال الوالدين، يقول المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض): "نفهم أنَّ العلاقة هي علاقة إحسان، أي أنهما قاما بجميل، وعلى الولد أن يقوم بجميلٍ مماثل في هذا المجال.. وقد يكون في بعض الحالات، أن ينفق عليهما، أو يوسِّع عليهما، أو يبتسم لهما، وأن يقبّلهما، ويحتضنهما، ويداويهما، إلى آخر ما هناك من الرعاية الإنسانيّة في الجوانب الحياتيّة والمشاعر العاطفيّة". [دنيا الشّباب، ص64، 65]. |
|
|
|