تظل ذي عين التراثية التي يعود تاريخها إلى مئات السنين، بمنطقة الباحة جنوبي السعودية، إحدى القرى التي تتميز بجمال آخاذ، جعلها أبرز المواقع الأثرية على مستوى المملكة، وطريقة بنائها، وما تزخر به من مزارع شاسعة ترتوي من عين القرية، ولم تتوقف على مر الزمان، ما دفع هيئة السياحة الوطنية إلى أن ترصد مبلغ 16 مليون ريال، لاستكمال مشروع إعادة تأهيل «ذي عين» بالكامل حفاظاً على آثارها. وتعتبر القرية التي تدور حولها الكثير من الأساطير، واحدة من عجائب الجزيرة العربية، فهي إلى جانب جمال وترتيب بناء منازلها التي شيدت على جرف أبيض من المرو مثلث الشكل، بها أيضاً عين متدفقة لا تزيد ولا تنقص مياهها، مهما شحت أو نعمت المنطقة بالأمطار.
وهو الأمر الذي جعل كثيراً من المختصين في علم الجيولوجيا يبحثون عن سر تدفق العين، وحكى رواة القصص والأساطير الكثير والمثير حول مياه القرية العجيبة، والعين المتدفقة لمئات السنين تروي بسخاء ومن غير منّ في العطاء آلاف الأشجار أسفل القرية الأثرية.
والبيت في القرية التي ترتفع عن سطح البحر 1985 متراً، عادة ما يتكون من أربعة أداور، يخصص الأرضي منها للمواشي، فيما الدور الثاني لتخزين الأمتعة والأدوات الزراعية والمحاصيل، والدور الثالث ومعه الرابع مخصصان لسكن العائلة.
وتتميز تلك البيوت في أغلبها بالنقوش والزخارف والكتابات، وتضم معظم غرفها عموداً يسمى «الزافر»، ويوضع لحمل السقف، وقد زينت شرفاتها بأحجار المرو «الكوارتز» على شكل مثلثات متراصة، ويحيط بها بعض الحصون الدفاعية التي أنشئت قديماً لحمايتها من الغارات، أو بهدف المتابعة والمراقبة.
وبالتجول في القرية عبر ممراتها العديدة التي تم اختيارها بعناية لتسهيل حركة المارة، تجذب الزائر تلك الروائح الذكية التي تفوح من مزارع القرية، والتي تعد أهم محاصيلها الموز والليمون والنباتات العطرية مثل الكادي والريحان والشيح والبعيثران والبرك وغيرها، إلى جانب الحبوب كالذرة والدخن.
ويختلف موز «ذي عين» عن غيره بقصره وعرضه ونكهته الرائعة، ويصل سعر الكيلو الواحد منه إلى عشرة ريالات، ويراوح سعر عذق الكادي مع الريحان والبعيثران من العشرين إلى الخمسين ريالاً، وخاصة في المواسم.
أسطورة الماء
وعن ديمومة تدفق مياه العين وعدم انقطاعها طوال أكثر من 500 عام، وهو عمر القرية كما يعتقد بعض الأهالي، ومنهم علي الغامدي، وهو مبصر موهوب في معرفة وجود المياه تحت الأرض، يقول «تعد ذي عين أعجوبة من عجائب الجزيرة العربية، وسراً من الأسرار الإلهية التي اختار لها هذا المكان.
لذا فقد كانت محل اهتمام كثير من الجيولوجيين، وشارك فريق من 18 خبيراً قبل نحو 15 عاماً في إعداد بحث استغرق قرابة الشهر لدراسة سر العين العجيبة، إلا أنهم لم يتوصلوا إلى أي نتيجة، وقد أخبرتهم شخصياً أن هذا الماء يأتي من سبأ باليمن، وأن له قصة قديمة توارثتها الأجيال.
وهي أن رجلاً كان يمشي في أرض سبأ باليمن عندما ابتلعت الأرض غمد سيف «غدارة»، كان يتوكأ عليه في مكان هش من الأرض، ففقدها هناك، والحقيقة أنه لم يكن بها سلاح، وإنما كانت مملوءة بجنيهات الذهب التي يحملها معه أينما ذهب خوفاً عليها من السرقة».
وتعود تسمية ذي عين بذلك الاسم إلى قصة أسطورية تتردد حول الموقع، حسب ما يرويها أهالي القرية، البعض يعيد أصل التسمية إلى وجود عين مياه جارية على مدى العام، وهناك من ينفي ذلك، ويورد أسطورة كانت سبباً في التسمية، وتقول «إن هناك شخصاً في قديم الزمان سقطت له عصا في أحد أودية رنيه الغزيرة بالماء.
وكانت تلك العصا مجوفة، وبداخلها مسحوق يسهم في تقوية نظره لتحديد مسارات ومواقع المياه تحت الأرض، أو ما يعرف محلياً بـ«المبصر»، وهو مستكشف آبار المياه، ولأهمية ذلك المسحوق بالنسبة إليه، فقد وضع على ذلك المسحوق قطعاً من الفضة، ولها نصل من الفضة»
غزوات قبلية
رغم أن القرية قد عانت في تاريخها القديم من الغزوات القبلية، قبل عهد الملك عبد العزيز آل سعود موحد المملكة، ومؤسس دولتها المعاصرة، إذ يذكر أن غزوة وقعت في القرية بين قبيلتي غامد وزهران، وهما من السكان الأصليين لمنطقة الباحة من جهة
وجيش محمد علي باشا من جهة أخرى، فإن القرية غدت الآن مزاراً سياحياً وتراثياً لكثير من العائلات السعودية والخليجية لمشاهدة العمران التقليدي فيها، والتلذذ بطعم الموز الذي تنتجه مزارعها، ورائحة مضمومات الكادي.