ذَكر الإمام مُسلم، في مقدّمة صحيحه، بإسناده إلى عبد الله بن المبارك، قال: "قلتُ لسفيان الثورى: إن عبّاد بن كثير؛ مَن تعرف حالَه.. وإذا حدَّث جاء بأمرٍ عظيم، فترَى أن أقول للناس: لا تأخذوا عنه؟! قال سفيان: بلى!
قال عبد الله: فكنتُ إذا كنتُ فى مجلس ذُكر فيه عبّاد؛ أثنيتُ عليه فى دينه، وأقول: لا تأخذوا عنه".
قلتُ: وعبّاد بن كثير، قد اتفقوا على تضعيف حديثه، ووسمَه بعضُهم بالكذب، وقال فيه أحمد رحمه الله: "رَوى أحاديث كذب".
وقد حكَى الجُوينيّ إمام الحَرمين، عن والِده الإمام: "أنه كان يقول في درسه كثيرًا: مَن كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمدًا؛ كفَر وأريق دمُه".
قال النَّوويّ رحمه الله، في شرحه على مسلم: "والصواب ما قدّمناه عن الجمهور - لا يَكفر بهذا الكذب إلا أن يَستحِلَّه".
ومع هذا كلّه: لم يمنعهم ذلك؛ من إنصافه وذِكر فضله، والثناء على دينه، ولو كان ذلك في نفس مجلس قَدْحه، ولم يَتعدَّوا فيه العدلَ إلى البَغي، وطَرحِه كُليَّةً ورَميِه، وهَمزه بكلّ نقيصةٍ ولَمزِه.
فما من قائل، إلا ولَه وعَليه، وكلٌّ يُؤخَذ من قوله ويُترَك؛ إلا رسولنا عليه السلام.
وهذا المنهج عند السلف؛ أكثر من أن يُحصَر، وأشهر من أن يُذكَر!
والبُخاريُّ ومسلم على جلالتهما، قد أخرجا في صحيحيهما، أحاديث أكثر من مائة نفسٍ من المُبتدِعة، منهم من رُمِي بالقدَر، ومنهم من رُمي بالإرجاء، ومنهم من رُمي بالتجهُّم.
كلُّ ذلك .. والسَّلف على قاعدة الإنصاف والعَدل، وقِبلتهم: قَبول الحقّ لا غير، يُنصفون القولَ والقائل، ولا يَهضمون خيرَ عامل.
هذا كلُّه والبِدعة مُستَحكِمةٌ في صاحبها عين اليقين، متواترة عن صاحبها في السّابقين واللاحِقين.. فكيف لو كان غير ذلك، وكان الطاعِنُ فَردًا مُتحاملًا مُتجنّيًا، أحكامُه على الظنّ والإلزام، خارجة عن التحقيق والبُرهان
فهل انقرض مثل هذا الإنصاف في زماننا.. فما عاد لمُخالِف حسنة
وصار المُخالف مجروحًا من كلّ وجه، وعلى كلّ حال، بعد أن سيطرَت الأهواء على العقول والنّفوس، وتعمّقت البغضاء، وتصدَّر السفهاء! أم أن الخلَف صاروا أعلم بالدّين، وأحكم لقواعده، ممَّن سلَف، وما بقي من سِيرتهم.. إلا أساطير الأوّلين
فيَا رحمكم الله أنصِفوا وإذا قُلتُم فاعْدِلوا
|
|
|