يقول إدوارد كلاباريد: " الطفل الذي يلعب لعبة المائدة يبتكر تشكيلاً رائعًا للأطباق والشوَك إلى جانب السلطة وشرائح اللحم ودور الآباء هنا هو اكتشاف أي المواهب يحبها الأبناء". تنمية الإبداع عند الأبناء قضية تشغل الكثير من الآباء والأمهات، خاصة وأن البعض يعتقد أن هناك علاقة بين الذكاء والإبداع، وبين الإبداع والتفوق الدراسي، وتساءل الكثيرون عما إذا كان الطفل يولد مبدعاً أم أنها خبرات تكتسب! صادق ابنك ليبدع يؤكد العلماء أن الطفل يولد مبدعًا من شهوره الأولى، فهو يبدأ باكتشاف الأشياء ثم محاولة تركيبها أو صنع بعض الأشكال منها، وإذا قامت الأسرة برعاية الطفل وتوجيهه وعدم لومه خاصة على الأشياء التي يفسدها أو يكسرها وهو لا يزال صغيرًا، فإنها تقوم بدور الحماية لهذه المواهب التي عنده. والعلاقة الصادقة المتوازنة بين الآباء والأبناء تساهم في تنمية هذا الإبداع، فيُروى عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أنه قال عن تربية الأبناء: "لاعبه سبعًا وأدبه سبعًا وصاحبه سبعًا، ثم دعه يذهب حيث شاء فإنه قد أصبح أنت"، وهذه قاعدة تربوية فذة في تربية الأبناء. فالعلاقة بين الأب والابن علاقة متغيرة الهدف في كل مرحلة سنية، فالطفل حينما يكون صغيرًا يحتاج إلى الانطلاق واللعب، ومهما حاول الأبوان تأديبه وإلزامه فلن يجدا استجابة، بل قد يحصدا عنادًا، وفائدة اللعب في هذه المرحلة أنها تقرب الطفل أكثر من أبويه، فيزداد الحب والألفة، ويبدأ الإبداع. وقد روى الطبراني في معجمه الكبير: (2595)،عن جابر (رضي الله عنه) قال: "دخلتُ على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمشي على أربعة – يمشي على ركبتيه ويديه-وعلى ظهره الحسن والحسين، وهو يقول: نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما". كما يروى أن صلاح الدين الأيوبي كان يتجول بين العسكر وهو في خضم المعركة، فيجتاز على طفل صغير بين يدي أبيه وهو يقرأ القرآن، فاستحسن قراءته فقربه وجعل له حظاً من خاص طعامه ووقف عليه وعلى أبيه جزءًا من مزرعته. إننا لن نكتشف أبناءنا أو قدراتهم الإبداعية ما لم نشركهم في الحياة، ما لم نسمع لآرائهم، ما لم نؤمن بتميزهم وتفوقهم فيا يقومون به، ما لم نتبن بعض مقترحاتهم ونطبقها بالفعل، حينئذ نعطي أبناءنا دفعات قوية من الثقة في أنفسهم وفي والديهم وهي منطلق الإبداع والتميز. البيت والمدرسة.. أهمية التكامل بينهما الطفل في البيت يتلقى من والديه ويتعلم منهما القيم والأخلاق، وحينما يذهب إلى المدرسة يتعلم قيمًا أخرى وأخلاقًا أخرى، فإن كانت من نفس باب ما تعلمه في البيت فهو خير، وإن لم يكن فهو شر وبلية، وهنا يأتي ضرورة التواصل بين الوالدين والمدرسة، وملاحظة ما يطرأ على الطفل من تصرفات ربما تكون خارجة عن الإطار الصحيح ليتم اكتشافها وعلاجها من بداياتها. بعض المدارس تقوم بعمل ما يسمى بكراسة الملاحظات تكون مع الطالب ويكتب فيها المدرس ملاحظاته الأسبوعية، ويكتب فيها الوالدان ملاحظاتهما التربوية والعلمية على أبنائهما، ليساهما سوياً في تنمية قدرات الأبناء. الخطأ في العقاب.. تدمير الإبداع يقول محمود الخازندار (رحمه الله): "إن الطفل لا يتعلم وهو خائف، ولا يتربى وهو حزين، إنه حين يشعر بالأمن ويتفاعل مع أجواء المرح المفعم بالتوجيه، ويعامل بالملاطفة التي لا تُفسد النظام، يكون على أكبر درجة من الاستعداد بقلب مفتوح وذهن حاضر وأُذن واعية ". وهنا ففي حالة ارتكاب الطفل لبعض المخالفات السلوكية، فعلى الوالدين أن يشعرا الطفل بأضرار هذه المخالفة وإقناعه بالإقلاع عنها، فإذا لم ينفع الإقناع واللين يأتي دور التأنيب أو العقاب المعنوي دون البدني، والعقوبة العاطفية خير من العقوبة البدنية، فبذلك نربي الطفل دون تدمير لنشاطه الإبداعي. والإفراط أو التفريط في العقاب يؤدي إلى تأثيرات سلبية على الطفل من جميع الجوانب العقلية والعاطفية والخلقية، ويجب في ضوء المنهج التربوي السليم أن يحدث التوازن بين المدح والتأنيب، فالمدح الزائد كالتأنيب الزائد يؤثر على التوازن الانفعالي للطفل، ويجعله مضطربًا قلقًا، فالطفل الناشئ في ظل الرأفة الزائدة – كما يقول علماء النفس -لا يثبت أمام تقلبات الحياة، وربما تأخر النضوج العاطفي عنده، وطالت فترة الطفولة لديه، فيبقى محتاجًا لوالديه في كل المواقف التي تواجهه وتستمر هذه الحالة معه حتى في كبره، فنجد في واقعنا الاجتماعي أطفالاً أو كبارًا ينتظرون من المجتمع أن يلبي مطالبهم أو يؤيد آراءهم، أو يمدحهم ويثني عليهم؛ لأنهم لا يستطيعون مواجهة المشاكل التي تقف في طريق تلبية طموحاتهم، ونفس الكلام يأتي في سلوك الطفل المنبوذ أو المتعرض للإهانة أو التأنيب الزائد من قبل والديه ومحاسبته على كل شيء يصدر منه. الذكاء لا علاقة به بالإبداع! ذكاء الطفل ليس له علاقة بالتفوق الدراسي، بدليل أن أكثر المخترعين والعباقرة الذي سجلهم التاريخ لم يكملوا تعليمهم، وأضرب لك مثالاً، فمما يُحكى عن توماس إديسون – مخترع المصباح الكهربائي -أنه كان شديد الغباء، وكان رأي مُدرِّسه فيه أنه أبله، ولن تجدي محاولات تعليمه شيئًا، فطُرد من المدرسة؛ حيث إنه كان يأتي دائمًا في مؤخرة زملائه من حيث الدرجة، ولم يقض في المدرسة سوى ثلاثة أشهر طوال حياته، وعندما عرضوه على الأطباء تكهنوا بأنه مصاب بمس، وطُرد بعدها من أول وظيفتين عمل فيهما بسبب أنه قليل الإنتاجية، ولم يقف بجواره إلا أمه التي كانت تؤمن برسالة ابنها، وتعبت الليل والنهار بتعليمه أنواعًا مختلفة من العلوم، وواسته بعد طرده من المدرسة وإهانة أستاذه له، ودافعت عنه أمام أبيه حين كان يحرمه من معمله المبتدِئ في المنزل، وكانت ترسل له باستمرار رسائل التأييد والدعم والتحفيز، وفي النهاية سجل باسمه حوالي (1093) براءة اختراع! ومع انتشار وسائل الاتصال الحديثة، يعتبر الإنترنت من أخطر الوسائل في تنمية مهارات الأبناء وخلق الإبداع لديهم، فهي تنقلهم إلى عالم رحب فسيح، ففي الخمسينيات، نشرت الدكتورة ماريا مونتيسوري برنامجاً تربوياً لاقى رواجاً كبيراً في أوروبا وأميركا، وأصبح مرجعاً يستند إليه لتنمية ذاكرة الطفل وجعلها مخزوناً لا ينضب من المعلومات. وبعد نحو ثلاثين عاماً، باشر الدكتور جوهان دي بير الاختصاصي في علم النفس اختبارات حول ذكاء الطفل والوسائل العلمية الحديثة لتطويره على مرحلة تمتد من الثالثة وحتى السابعة من العمر، فكانت حصيلة هذه الاختبارات أكاديمية "فاستراكيدز" (Fastrackids ) المتخصصة بتنمية المعرفة لدى الأطفال، وتطوير ذكائهم وإبراز مواهبهم المكتومة، وهم يعتمدون على نظام "الأقراص المدمجة" CD - Rom)) لعرض الدروس، ويستخدمون في العرض المذكـور "محطـة فاستـراكيدز التعلـيمية" وهي عبارة عن مزيج فريد من تقنـية الكمبيوتر واللوح الأبيض التفاعـلي وعرض الصورة بشـكل متحرّك على الشاشة ما يسمـح للأطفال بأن "يتجـولوا" في الفضاء، أو أن يقوموا بنزهة "في باطن الأرض". واليوم – مع الثورة التكنولوجي – هناك مئات البرامج الموجودة والتي يمكن الاستفادة منها بقوة بشرط اختيار الأصلح منها والمتوافق مع ديننا وعقيدتنا، وأن يكون التكافل بين البيت والمدرسة في تنمية مهارات الإبداع. |
|
|
|