الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .
إن خطر الذنوب على الفرد والمجتمع يكمن في كونها مبعدة عن الله تعالى ، وعن رحمته ، مقربة إلى سخطه والقرب من النار ، وكلما استمر العبد في كسب الخطايا ابتعد عن موالاه أكثر ، ولذلك جاءت النصوص الكثيرة تحذر من الذنوب ، وتبين عقوباتها وما أصاب الأمم الماضية الأ بسبب ذنوبها ، قال تعالى ( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ) (سورة المائدة الآية49) وقال تعالى : ( أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ )( سورة الأعراف الآية100) .
وثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم (اجتبوا السبع الموبقات )
(رواه البخاري برقم 2766 ومسلم برقم 89)
فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث باجتناب الذنوب ، وذلك أبلغ مما لو نهى عن اقترافها ؛ لأن الاجتناب يقتضي ترك الذنب وما يوصل إليه ، ثم أخبر أنها مهلكة لمن واقعها .
وتنقسم الذنوب إلى قسمين : كبائر وصغائر ، والأدلة على هذا التقسيم كثيرة فمن ذلك قول الله تعالى (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ )( سورة النساء الآية31) وقال تعالى : ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) (سورة النجم الآية 32) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر ) .( رواه مسلم برقم 233) .
والقسم الأول : الكبائر : جاء في الأدلة اعتبار عدد من الذنوب من الكبائر صراحة ، مثل الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس التي حرم الله ، والسحر ، وشهادة الزور ، وغير ذلك . وأما ما لم يرد دليل خاص بتسميته كبيرة ، فقد اجتهد العلماء في وضع ضابط تعرف به الكبيرة من غيرها ، فقالوا في تعريف الكبيرة ، كل معصية دل الدليل على تغليظ تحريمها ، أما بلعن أو غضب ، أو عذاب ، أو نار ، أو حد في الدنيا ، ونحو ذلك .
القسم الثاني : الصغائر :
والصغيرة هي : ما لم ينطبق عليها حد الكبيرة ، ومن أمثلتها ، الخروج من المسجد بعد الأذان لغير حاجة ، وترك إجابة دعوة العرس بدون عذر ، وترك رد السلام ، وعدم تشميت العاطس الذي حمد الله ، وغير ذلك .
والواجب على المسلم ترك جميع ما نهى الله عنه ورسوله ، لا فرق في ذلك بين الصغائر والكبائر ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه) .(رواه البخاري برقم 7288 ومسلم برقم 1337) وترك الذنب تعظيم لحق الله تعالى على العبد ، وتعظيم لما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم ولذلك قال بلال بن سعد التابعي رحمه الله تعالى :(لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن أنظر إلى من عصيت) .(صفة الصفوة 4/150 ، وسير أعلام النبلاء 5/91 في ترجمة بلال بن سعد) وجاء من التحذير من التهاون بالصغائر بنص خاص وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم ( إياكم ومحقرات الذنوب ، إنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود ، حتى حملوا ما انضجوا به خبزهم ، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه ) . (رواه أحمد 5/331 ، وحسن إسناد ابن حجر كما في فتح الباري عند شرحه للحديث 6492)
والصغيرة تتحول إلى كبيرة بعدة أسباب ، من ذلك الاستمرار عليها قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار ) . (رواه الطبري في تفسير آية 31 من سورة النساء ، وروي مرفوعا ولا يصح كشف الخفاء 2/364) وكذلك الفرح بفعلها والافتخار بها، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( كل أمتي معافى إلى المجاهرين ، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول ( يا فلان قد عملت البارحة كذا وكذا ، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه ) .(رواه البخاري برقم 6069 ومسلم برقم 2990) وكذلك أن تصدر عمن يقتدى به الناس ، لأنه بفعله يتسبب في إغوائهم ، فيكون عليه وزر نفسه ومثل أوزارهم .
ومسك الختام الله أسال للجميع العلم النافع والعمل الصالح. |
|
|
|