لطائف الستر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمدلله الذي يُدني عبده المؤمن منه يوم القيامة فيذكره ذنبه حتى إذا أقر به قال سترته عليك في الدنيا وأنا أغفره لك اليوم. والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على من بعثه ربه بالستر لا الفضيحة يأتيه صاحب الذنب مقراً معترفاً فيُعرض عنه لعله يرجع عن إقراره ويتوب بينه وبين نفسه. أما بعد فليس حديثي عن فضائل الستر ولا الحث عليه فالكلام في ذلك مقرر معلوم والآيات والأحاديث مشتهرة منتشرة . فالحديث سيكون عن بعض لطائف الستر وأثر ذلك علينا في حياتنا الدنيا ورحمة الله بن. دعني أسوق لك بشارة مستفادة من الحديث السابق وهي أن ستر الله على العبد التائب في الدنيا أول بشائر المغفرة له في الآخرة . ثم تأمل يأخي الكريم كيف أن بني اسرائيل كان الرجل منهم إذا أذنب ذنبا أصبح مكتوبا ذلك الذنب على بابه ! الحمدلله أي خزي هذا للعبد في الدنيا ! ثم تأمل رحمة الله بنا نُذنب ليل نهار ونجمع الخطايا إلى الخطايا ويموت أحدنا وما علم الناس له بالذنب ، وقد كان لا يمر يوم إلا وهو قائم على ذنب . ثم تأمل كيف جملنا الله بستره أمام بعضنا البعض لا تعلم عن ذنوبي ولا أعلم عن ذنوبك يرى أحدنا أخاه العبد التقي ولو اطلع على بعض ذنوبه لقال هذا الشقي وليس التقي . ثم تأمل أيضاً كيف يغتاب الرجل ُ الرجلَ ثم لا يلبث إلا يسيرا وقد دخل عليه ضاحكاً مبتسما ولو علم بما قاله عنه لما رد عليه السلام ... وتأمل أيضاً ما يكون في صدر إنسان من عدم المحبة لآخر لكنه يلقاه بالسلام والابتسامة ، ولو علم ذلك عن ما في قلب هذا لهجره وعاداه ... وتأمل أيضاً تلك الزوجة التي طابت نفسها من العيش مع زوجها وليس له في قلبها أي محبة لكنها تصبر من أجل أولادها ومن أجل بعض الاعتبارات الأخرى ولا يعلم زوجها عن هذا ولو علم لما أبقاها عنده يوماً واحداً . وقد يقع العكس فلو علمت الزوجة لما طابت نفسها بالبقاء مع هذا الزوج ساعة واحدة. وتأمل كيف يضحك المحسود في وجه حاسده وما علم أنه يحسده البتة . وتأمل كيف تغار الأخت من أختها وهي تواصل حديثها عن فرحتها بزوجها وإكرامه له ، ولو علمت عن ذلك لقطعت حديثها . بل تأمل رحمة الله بنا في ستر الأقدار عنا ترى الرجل ضاحكا اليوم وهو غداً من أصحاب القبور ! وترى الابن معتزا مفاخرا بأبيه وبعد ساعات يُحال بينه وبينه ! وترى الرجل يبني بيتاً لا يسكنه ويفصل ثوباً لا يلبسه . بل ترى المرأة مثنية على زوجها عند أهلها وهي بعد أسبوع تأتيهم بورقتها . وترى الناس وقوف بباب التاجر وغدا هو السائل الذي يقف بأبوابهم . بل رأينا السجين حاكما ، والحاكم سجيناً! هل رأيت عظيم رحمة الله بنا ؟ كيف سيكون حالنا لو كشفت تلك الأستار؟ هل سيطيب لنا عيش ؟ بل تأمل حال من كُشفت لهم تلك الأستار وكم حصلت من مصيبة ووقع من طلاق عندما كُشفت تلك الأستار لبعض الناس ! وقارن بين رجلين وقعا في نفس الذنب أحدهما ستره الله والآخر فُضح ؛انظر قبل سلامة المستور من العقوبات المقررة شرعا في الدنيا ،انظر إلى الأثر النفسي لذلك الستر عليه. فالعاقل يعلم أن من أعظم نعم الله عليه إدامة الستر ؛وطريقه إلى ذلك ستره على عباد الله . فلا تجعل هتك أستار الناس حديثك في مجلسك ؛ بل تحرى فضل الستر حتى في سترك على أخطاء طفلك ؛ فما من أحد يحب أن يُعير أو يهتك له ستر حتى الأطفال . هل رأيت كيف نعيش السعادة في ظل ستر الله علينا ، هل رأيت كيف أخفى الله عنا كثير مما يزعجنا ويؤلمنا . اللهم لك الحمد حمدا دائما أبداً بسترك الدائم الأبدي . وختاماً :هذا المقال ليس دعوة للاستمرار على الذنوب ولا لاستمراء المعاصي والآثام وإنما تذكير بنعمة الستر التي غفل الكثيرون عن مجرد تأملها فمابالك بشكرها والاعتراف لله بفضله علينا فيها . وأما الذنوب فصغارها مهلكة وللخيرات ماحقة وعن الله مبعده ؛ فكيف بكبارها نسأل الله السلامة من الذنوب صغيرها وكبيرها سلامة تعمنا وإخواننا المسلمين. اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض . اللهم إنا لا نفرح بستر المسلم يُهتك ولا بعيبه يُنشر ،اللهم فألطف بنا أن يُهتك لنا ستر أو يُنشر لنا عيب . اللهم أتم سترك علينا في الدنيا بمغفرتك لنا في الآخرة وتب علينا توبة نصوح من كل ذنب مهما صغر ياأكرم الأكرمين . وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين وآله وصحبه والتابعين . |
|