التصنيف : مشكلات نفسية واجتماعية. نشأت في بيئة محطمة ، بين والداي ، حيث كبرت ولم يعطوني
من حنان الوالدين شيئاً ، وأسلوبهم بالتربية معي كان
قاسياً ومحطماً ، والآن ليس لدي طموح ،
وأشعر بضيقة صدر غالباً ، والتفاؤل عندي ضعيف جدّاً ،
وكلما حاولت أن أبني لي طموحاً ، وأتفاءل يتراجع وينهدم ،
فكيف أبني فيَّ التفاؤل وأثبته كي لا يتراجع ؟
وكيف أعيد الثقة في نفسي ؟ وكيف أُذهب عني
ضيقة الصدر التي أعاني منها كثيراً ،
مع العلم أني حافظ لكتاب الله ؟
فكيف أوظف هذا الحفظ لأبني نفسي ؟ . الحمد لله أولاً :
نسأل الله تعالى أن يفرِّج كربك ، وأن يمتعك متاعاً حسناً ،
وأن يحبِّب إليك الإيمان ويزينه في قلبك ،
وأن يكرِّه إليك الكفر والفسوق والعصيان .
وبما أنك من حفظة كتاب الله تعالى فإن الخطب سهل ،
وأنت تملك مفتاح حلول مشكلات العالَم بأسره ،
ولن يعجزك حل ما أنت فيه من كرب ، وجلاء ما بك من هم . وسيكون حديثنا معك في مسألتين : الأولى : علاج الهموم ، وضيق الصدر ، والثانية : بناء التفاؤل ، والثقة بالنفس . ثانياً :
أما علاج ضيق الصدر ، وإزالة الغموم والهموم فلا حل
لهذه المعاناة إلا باللجوء إلى الأدوية الربانية الشرعية ،
ولا يزال المسلم يبتلى من ربه تعالى بالهم ، والغم ، والحزَن ، والمؤمن العاقل هو من يعلم أن في هذا التقدير أحد أمرين : الأول : أن يكون ذلك عقوبة على معاصٍ يرتكبها ،
وآثام يفعلها ، وإنما يقدِّر الله تعالى عليه ذلك حتى يرجع ،
ويتوب ، ويدع ما هو فيه من فعل للسيئات ، وتركٍ للواجبات . والثاني : أن يكون ذلك ابتلاءً لرفع الدرجات ، وتكفير السيئات ،
وليس أمام المؤمن ما يفعله هنا إلا الصبر ، والاحتساب ،
والحرص على إزالة تلك الهموم والغموم بمزيد من الطاعة ،
وكثير من العمل الصالح . ولن نطيل معك في هذا الباب ،
فقد ذكر الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله وسائل كثيرة
يمكن للمؤمن أن يستعين بها لحياة قلب سعيدة ،
وسعادة نفس فسيحة ، وقد جمع الشيخ رحمه الله
هذه الوسائل في رسالة لطيفة سمَّاها " الوسائل المفيدة للحياة السعيدة " ، وقد قال في مقدمتها :
" فإنَّ راحة القلب ، وطمأنينته ، وسروره ، وزوال همومه ،
وغمومه : هو المطلب لكل أحدٍ ، وبه تحصل الحياة الطيبة ،
ويتم السرور ، والابتهاج ، ولذلك أسباب دينية ، وأسباب طبيعية ،
وأسباب عملية ، ولا يمكن اجتماعها كلها إلا للمؤمنين ، وأما من سواهم : فإنها وإن حصلت لهم من وجه وسبب ، يجاهد عقلاؤهم عليه :
فاتتهم من وجوه أنفع ، وأثبت ، وأحسن حالاً ، ومآلاً .
ولكني سأذكر برسالتي هذه ما يحضرني من الأسباب
لهذا المطلب الأعلى ، الذي يسعى له كل أحدٍ .
فمنهم من أصاب كثيراً منها فعاش عيشة هنيئة ،
وحيى حياة طيبة ، ومنهم من أخفق فيها كلها
فعاش عيشة الشقاء ، وحيي حياة التعساء ،
ومنهم من هو بيْن بيْن ، بحسب ما وفق له ،
والله الموفِّق ، المستعان به على كل خيرٍ ، وعلى دفع كل شر " .
انتهى
[]
وإن أردتَ ما وصفه الإمام ابن القيم رحمه الله لعلاج هذه الأدواء :
فانظر جواب السؤال (في موقعنا هذا ،
وفي الجواب نفسه رابط يوصلك لكتاب " علاج الهموم " .
وانظر جواب السؤال رقم : ()
ففيه إجابة لشاب مستقيم يعاني من تسلط الهم والضيق.
وبما ذكرناه لك ، وأحلناك عليه : يتم الجواب ، ويكتمل البناء ، ] ثالثاً :
أما بخصوص بناء الثقة ، والتفاؤل في هذه الحياة :
فمثلك من حفظة كتاب الله هو من ينبغي أن يدل
الناس على ما يفعلونه من أجل ذلك ، ففي صدرك الشفاء ،
وبين يديك العلاج ، لا لهذه الأدواء فقط ، بل لكل أدواء الدنيا ،
فكتاب الله تعالى ليس للمسلمين فحسب ،
بل هو هدى للناس ، ودلالة للعالَمين .
وقد جاء في السنَّة النبوية ما يبين بجلاء أن الإسلام
راعى جانب غرس الثقة في نفوس أهل الإسلام منذ الصغر ،
وربَّاهم على الرجولة ، وبناء الشخصية منذ نعومة أظفارهم ، ونضرب لذلك مثلين : الأول : عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ :
أُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحٍ فَشَرِبَ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ ،
هُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ ، وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ قَالَ :
(يَا غُلاَمُ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِىَ الأَشْيَاخَ ؟) ،
فَقَالَ : مَا كُنْتُ لأُوثِرَ بِنَصِيبِى مِنْكَ أَحَداً يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ .
رواه البخاري (2237) ومسلم (2030) .
فالغلام هنا – وهو ابن عباس – صاحب حق في أن يشرب
بعد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه عن يمينه ،
فاستأذنه النبي صلى الله عليه وسلم في أن يؤثر
بنصيبه غيره ، فلم يأذن ! لأنه صاحب قرار ، والحق له ،
فقرَّر أن لا يؤثر أحداً على نصيبه ،
وهذا لا شك مما يسهم في بناء شخصية الطفل ، ويغرس فيه الثقة . والثاني :
عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ ،
فَنَسْأَلُهُمْ : مَا لِلنَّاسِ ؟! مَا لِلنَّاسِ ؟! مَا هَذَا الرَّجُلُ ؟
فَيَقُولُونَ : يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ ، أَوْ :
أَوْحَى اللَّهُ بِكَذَا ، فَكُنْتُ أَحْفَظُ ذَلِكَ الْكَلَامَ وَكَأَنَّمَا يُقَرُّ فِي صَدْرِي ،
وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهِمْ الْفَتْحَ ، فَيَقُولُونَ :
اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ ،
فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ ،
وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلَامِهِمْ ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ :
جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا ،
فَقَالَ : صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا ، وَصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا
فِي حِينِ كَذَا ، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ ،
وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا ، فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ
قُرْآنًا مِنِّي لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنْ الرُّكْبَانِ فَقَدَّمُونِي
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ - أَوْ سَبْعِ سِنِينَ - .
رواه البخاري (4051) .
وهذه غرس للثقة عظيم في نفس ذلك الطفل ،
وتلك تربية عظيمة في الإسلام لأولئك النشء الذين
سيكونون في المستقبل بناة لهذا الدين ، ودعاة لهذا الحق .
ونحن – أخي السائل – نشعر معك بالأسى ، والحزن ،
والهم والغم ، والذي أصابك بسبب ما فعله أهلك ،
لكن هذا ليس هو نهاية الأمر ، بل هي كانت البداية ،
وكانت بداية سيئة ، ويحتاج الأمر إلى تقويم ، ومعالجة ،
وهذا ما ستفعله أنت ، مستعيناً بالله تعالى ،
متوكلا عليه وحده لا شريك له ، وفي صدرك كتاب الله ،
فلن تجد الأمر إلا سهلاً يسيراً ، وسنذكر لك بعض النصائح والوصايا ،
ونرجو أن تكون لك نافعة ، ونرجو أن يكون منك تطبيق لما نقوله لك .
1. احرص على تثبيت الإيمان في قلبك ؛ فإن القلب الذي
يعمر بالإيمان الثابت فيه من القوة ما يحطم كل ماضٍ أليم ،
وشر مستطير ، ويتحطم على هذا القلب القوي الثابت كل ضلال مبين .
2. ابذل من وقتك ما تتعلم به العلم الشرعي النافع ،
وانظر لشخصية العلماء كيف هي قوية متينة ،
وانظر لطموحهم في طلب العلم كيف هو عالٍ كبير ،
فبالعلم تستطيع بناء الثقة في نفسك ،
وتكون به طموحاً لأن تكون في مصاف العلماء .
ولا تنس العمل بالعلم ، ولا خير فيمن يعلم ولا يعمل ،
بل علمه سيكون حجة عليه ، والعلماء العاملون
من أكثر الناس انشراحاً للصدور ، ومن أكثر الناس طموحاً ،
فهم يحرصون أشد الحرص على تعليم الناس ،
ودعوتهم ، وإيصال الإسلام إلى أقاصي الدنيا .
3. لا تنشغل بماضيك الأليم ، ومزِّق ورقته ، وتقدَّم للأمام ،
ولا تنظر إلى الوراء ، وكل ذلك نافعك إن شاء الله ،
وفي عكسه الضرر والألَم ، فما فات لن ينفعك تذكره ،
ولا العيش على آلامه ، بل اجعله دافعاً لك لأن تعوضه بالأمل ،
والطموح ، والحياة الجديدة السعيدة ،
واجعله عبرة لك أن تسلك الطريق ذاته مع أولادك .
4. اغفر لوالديك صنيعهم معك ، وتجاوز عن أخطائهم في حقك ،
ولا بدَّ من هذا حتى يكون قلبك أبيض كالثلج ،
وحتى لا تجعل للشيطان طريقاً إلى قلبك ليبغضك بهم ،
وقدِّر حالهم من الضعف ، والجهل ،
حتى تجد لهم أعذاراً في فعل ما فعلوه .
واعلم أن الله تعالى أمر ببر والديك والإحسان إليهما ،
حتى وإن جاهداك على أن تشرك بالله تعالى .
قال الله تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ
وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ
إِلَيَّ الْمَصِيرُ . وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي
مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا
فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ
ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )
لقمان / 14 ، 15 . قال ابن كثير رحمه الله :
أي : إن حَرَصَا عليك كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما ،
فلا تقبل منهما ذلك ، ولا يمنعنَّك ذلك من أن تصاحبهما
في الدنيا معروفاً ، أي : محسنًا إليهما . ( وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ) يعني : المؤمنين .
" تفسير ابن كثير " ( 6 / 337 ) .
5. لا تقارن نفسك بمن هم أحسن منك حالاً ،
حتى لا تزدري نعمة الله عليك ،
وانظر لمن هم دونك ؛ حتى تعلم عظيم فضل الله عليك .
6. اقرأ سيرة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ،
واتخذه لك قدوة حسنة ، وانظر كيف كانت طفولته
مليئة بالآلام ، والأحزان ، فقد ولد فقيراً يتيم الأبوين ،
ثم لم يلبث أن مات جده ، ولم يكن هذا مانعاً
من أن يكون إماماً للناس يقود الجيوش ،
ويسير السرايا ، ويفتح البلدان ، ويعلم الجاهل ، وينصر المظلوم .
وقد امتن الله تعالى عليه بذلك فقال : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى *
وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ *
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) الضحى/6- 11 .
7. خالط أصحاب الهمم العالية ، وتجنب أصحاب الهمم الدنيئة ،
فللصحبة أثرها الحسن والسيئ ، فاحرص على صحبة من ينفعك .
8. تذكَّر أن الشيطان يحرص أشد الحرص على إحزانك ،
وتكدرك ، وتثبيط عزائمك ، فقابل ذلك بقوة اليقين بالله تعالى ،
وبالطاعات ، ولا تنس أن تستعيذ بالله دوماً من الشيطان الرجيم .
9. أخيراً : إلزم الدعاء ، وتحيَّن أوقات الإجابة ،
تسأل ربك من فضله العظيم ، وتعوذ به من كل هم ، وغم ،
وحزَن ، وتسأله أن يوفقك لمعالي الأمور .
والله الموفق الإسلام سؤال وجواب
|
|