يوم مات أبي
تلك قصة واقعية شهدتها وكنت أحد أفرادها
فالبطل فيها هو أبي رحمه الله
والآن استعين بالله لسرد أحداثها لكم
فأعيروني آذانكم ...
كان ذلك في يوم من أيام شهر رمضان المبارك
في العشر الاواخر منه .. ويالها من أيامِ تتجلي فيها
الطاعات وتتنزل الرحمات
يجتهد الناس فيها ويتنافسون على الخيرات...
وما يفرقنا عن العيد سوى ساعات تحديداً يومٌ وليلة
كان أبي اليوم نائماً بعد الأفطار....
فهو كان مُجهداً يعاني من مُضاعفات...
مرض السكر ( عافاكم الله )
وكان أبي لا يقوى على الصيام بسبب مرضه...
والذي كان يُضطره لتناول بعض الطعام وقتما يشعر بالتعب والدوار
وفجاءة وبلا سابق إنذار !!!
استيقظ أبي من نومه فزعاً مختنقاً ناطقاً الشهادتين مستغفراً ربه .
ووضع رأسه تحت صنبور المياه عساه يشعر بتحسن
لكن .....دون جدوى....
جلس معنا شارد الذهن ثم نظر لأختي مبتسماً وقال :
إن أباك ِ سيموت سيفارق الدنيا
انزعجت أختي وقالت
مواسية له :
يا أبتي هون عليك ...تعبٌ ويزول بإذن الله
وليست هذه المرة الأولى التي تتعب فيها
وستتحسن إن شاء الله
وراحت تُسري عنه ببعض الأحاديث
ثم خرجا للشرفة ليستنشق أبي بعض الهواء ..
الليلة معتدلة جوها ونسيم هواءها عليل
- لكن أبي لا يشعر به–
طلب بعض الطعام فلم يتناول شيئاً منذ الظهيرة
فأحضرنا له على الفور وكانت أختي تسترق النظر
إليه واصفة حاله وهي لا تدري أن وصفها صحيح
قالت : ( كان يستمتع بطعامه كأنه آخر زادٍ له)
حقاً والله صدقت هو آخر زادٍ له في الدنيا
بعدها
شرعنا في طلب النجدة بمعاونة أحد الجيران
وأتت علي الفور وحاولت الإسعاف
يا الله ؟
لم يعد جسده يقبل أي شيئ من المحاليل
أدركنا ساعتها أن أبي يحتضر
فلم تُجدي معه الإسعافات
وكانت لفتة كريمة من رجال الاسعاف حين قالوا :
دعُوه يموت في البيت فالرجل يحتضر
فإنّا لو أخذناه معنا سنجهده كثيراً ، ونقله لن يقدم شيء
وبدأ أبي في الإختناق شيئا فشيئا يصارع السكرات
ونحن في ذهول ننظر إليه في صمت
لا ندري ما نفعله .
العينان زائغتان تود لو قالت ....أغيثوني
تنظر إلينا ، تريد أن تقول شيئا
ولكن .. لا كلام ..
ثقُل اللسان لم يعد يقوى على الكلام
ولم تعد تحمله قدماه
وهوى أبي من بين أيدينا على الأرض ،
وبدأ يُصارع الموت حتي فاضت روحه ....
رحمه الله وغفر له
وجزاه عنا خيرالجزاء.
استرجعنا الله وصار الحزن مخيّم على البيت
وفي الصباح بدأنا الإعداد لمراسم دفنه
من تغسيله وتكفينه وتجهيزه للصلاة عليه
رحمك الله يا أبي
اللهم اغفر له وتجاوز عن سيئاته
وأجرنا في مصابنا واخلف لنا بعده بخير
وهنا انتهت قصتي
ومات أبي
الغالي.
يا قوم الدنيا قصيرة مهما طالت
فاعملوا ليوم رحيلكم منها
ولا تغرنكم زينتها وملذاتها
** بقلـــــــ (( سلوان )) ــــــمي **