لا تنتفوا الشيب،فإنه نور المسلم يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(لا تنتفوا الشيب،فإنه نور المسلم يوم القيامة)رواه أبو داود، والترمذي،والنسائي، شعرات بيضاء تتسرب إلى سواد اللحية والرأس،إنها أمارة الكبر وعلامة الكهولة ونذير لأيام العمر دون أن ندري،خاصة وأن هذه الشعرات لها أخوات سرعان ما يظهرن تباعاً،ربما غطين سواد الرأس في سرعة خاطفة، والشيب رسالة لا يقرؤها إلا الفطناء، ولا ينتبه لها إلا أهل العقل والرشد، فتراهم يلتفتون لأحوالهم ويصححون مسارهم ليحسن مآلهم، أما الغافلون فهم لا ينتبهون، وإن انتبهوا رأوا في الشيب سنة عابرة وظاهرة ماضية في البشر، ورأى بياض رأسه وما اعتبر، قال تعالى(أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ)فاطر، أي،أَوَلَم نعمركم لكي يتذكر فيه المتذكر،ويتمكن منه المكلّف من إصلاح شأنه، والتدبُّر في آياته، وعنه النبي، صلى الله عليه وسلم،قال(أعذر الله إلى أمريء أخر أجله حتى بلغ ستين سنة)رواه البخاري، (وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ) قال بعض أهل التفسير،على أن النذير(الشيب)قاله ابن عباس، وعكرمة، وسفيان، والحسن بن الفضل،والطبري، عن عبد الله بن عمرو بن العاص،رضي الله عنه،قال،قال رسول الله،صلى الله عليه وسلم(لا تنتفوا الشيب، فإنه نور يوم القيامة،من شاب شيبة في الإسلام، كتب الله له بها حسنة، وكفر عنه بها خطيئة، ورفعه بها درجة)رواه أحمد،وابن حبان وحسنه الألباني، وروي البيهقي(الشيب نور المؤمن، لا يشيب رجل شيبة في الإسلام إلا كانت له بكل شيبة حسنة، ورفع بها درجة) وعن فضالة بن عبيد،رضي الله عنه،قال،صلى الله عليه وسلم(من شاب شيبة في سبيل الله،كانت له نوراً يوم القيامة) فقال رجل،فإن رجالاً ينتفون الشيب،فقال(من شاء، فلينتف نوره)رواه أحمد،والطبراني، قال الغزالي،وإنما نهى عن نتف الشيب من نحو لحية أو رأس لأنه نور ووقار،والرغبة عنه رغبة عن النور، وقال الشوكاني،والتصريح بكتب الحسنة ورفع الدرجة وحط الخطيئة، نداء بشرف الشيب وأهله، وأنه من أسباب كثرة الأجور، وإيماء إلى أن الرغوب عنه بنتفه رغوب عن المثوبة العظيمة، ومن الأدب الرفيع مع أهل المشيب،وعلى مَن علاه الشيبُ أن يكون همه ويومه وهواه، وغفلته، يحمل مراهقة الشباب، وطيش المراهقين، لا يعرف للشيب وقاراً، ولا للكبر سمتاً، ومن حقِّ أهل الشيب أن يُوقَّروا ويُحترموا، ويُصغى لحديثهم، وتُقضي حوائجهم، جاء شيخ يريد النبيَّ،صلى الله عليه وسلم،فأبطأ الناس أن يوسعوا له، فقال النبي،صلى الله عليه وسلم(ليس منا مَن لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا)رواه الترمذي، ألاَّ يتقدم الشاب بالحديث بين يديهم،إجلالاً لشيبتهم، واحتراماً لسنِّهم، فجر المشيب أوضح فجر يعاينه الإنسان،وهو فجر صادق لا يعتريه كذب ولا بهتان، فينبغي أن يكون بداية حياة جديدة عامرة بالتقوى والإيمان، ومجافاة أهل الضلال والخذلان، فالسعيد من قبل النذارة، والرشيد من رأى المنارة، فاهتدى بنورها، وسار على دربها، فبياض شيب المعتبرين، بيض وجههم يوم لقاء رب العالمين(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)آل عمران، حياة الكهولة والمشيب محطة لا بد منها لمن أمدَّ الله في عمره، وهي حياة تبعث على الرأفة، والرحمة، عظيمَ قدرة الله وصنعه في عبده، فبينما الإنسان يعيش شبابه في قوته، وعنفوان فتوته، ويملؤها بكل نشاط وحيوية، حتى إذا ما تعاقبت به السنون،تغيَّرت أحواله،فابيضَّ شعره، وتجعَّد وجهه، واحدودب ظهرُه، وكلَّت حواسه، وتقاربت خطاه، وضعف هواه،وضعفت ذاكرته، وتغيَّرت عافيته، الشيب،هو العجز بعد القوة، وهو العلة التي لا تبرأ،هذه نهاية عمر الإنسان، ومنتهى حياته، وصدق الله،تعالى(وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ)يس، وأهل القلوب الحية يعتبرون هذا الشيب نذارةً من ربهم،ليستعدوا بالعمل، قبل حلول الأجل،والانتقال من هذه الدار، وإذا شاب المرءُ، فقد أعذره ربُّه بتعميره، وإمداده في فسحة حياته، وقد اشتدَّ عتابُ الله على أقوام عاشوا طويلاً، وامتدت حياتهم، لكنهم لم ينتفعوا بأعمارهم، فمن فضائل الشيب،أن الله،تعالى،يبدلهـم بهذا الشيب نـوراً، ويكسوهم نوراً،قال،صلى الله عليه وسلم (من شاب شيبة في الإسلام، كانت له نوراً يوم القيامة)رواه ابن حبان بسند حسن، ومن فضل الله تعالى،وكرمه على أهل الشيب من المؤمنين، بأن كافأهم بالحسنات، وحطِّ الخطيئات، ورفعةِ الدرجات، طوبى لمن شاب رأسه، وابيض شعره،وهو ثابت على طاعة ربه، ملازم لمرضاته، قال الحسن البصري،أفضل الناس ثواباً يوم القيامة المؤمنُ المعمَّر، أهل المشيب إذا استقامت أعمالهم،وصلَحت أحوالهم،وحسنت سيرتهم،ونقت سريرتهم،كانوا من أقرب الناس إلى ربهم،عز وجل،وكانوا أهلاً للرحمة وإجابة الدعاء،ولذا قدَّم زكريا،عليه السلام،دعواتِه لربِّه بشكاية حاله، وضعف قوته،واشتعال شيبته (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا)مريم، تذكَّر،يا من علاك الشيب،أن الفسحة في العمر نعمةٌ كبيرة يمنُّ الله بها على عباده، فاستثمر هذه النعمة فيما يرضي ربَّك، ويعلي منزلتَك، واستدرك ما فات،بالاستعداد لما هو آت، لتكن شعرات شيبك تحرك مشاعر الندم في نفسك على تقصيرك، وتضيع عمرك فيما لا ينفع، فليس فيما بقي من العمر أطول مما فات، فبادرْ بالتوبة والعمل بقية أيامك، قبل أن تبادرك المنون، واجعل مسك ختام العمر طاعة وتقوى، صلاة وصياماً،وصدقة واستغفاراً،سل الله حسن الخاتمة، فإنما الأعمال بالخواتيم، ومن عاش على شيء، مات عليه، ويبقى الشيب،عنوانَ الوقار،وتاجَ الهيبة، ورمز الإجلال والرزانة، فجديرٌ بمن لبس ثوبَ الوقار، نسأل الله،تعالى،أن يبارك لنا في شيوخنا وكبارنا، وأن يثبِّتهم على الإيمان، ويزيدهم إحساناً،وتقًى، ويُلبسهم لباس الصحة والعافية، ويرزقهم حسن الخاتمة |
|
|
|