ماذا لك إذا اتقيت الله الشيخ محمد صالح المنجد عناصر الموضوع: |
|
|
|
1-معاني التقوى وفضلها. 2-من يتق الله يجعل له مخرجا . 3-أثر التقوى وعاقبة المتقين. معاني التقوى وفضلها إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}(سورة آل عمران: 102{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } (سورة الأحزاب :70-71) ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} (سورة الحـج: 1)، أوامر الله تعالى لعباده بالتقوى متتابعة، ولا يزال سبحانه وتعالى يوصينا في كتابه بتقواه، {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ}(سورة البقرة:282)، ويبشرنا بالثواب وبالجزاء المعجل، قبل المؤجل. كتب عمر رضي الله عنه إلى ابنه عبد الله "أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله عز وجل فإنه من اتقاه وقاه، ومن أقرضه جزاه، ومن شكره زاده، واجعل التقوى نصب عينيك وجلاء قلبك"، وقالت امرأة من أهل البادية لابنها: "يا بني أوصيك بتقوى الله، فإن قليلها أجدى عليك من كثير عقلك، لا وصية أنفع من وصية الله ورسوله، لمن عقلها واتبعها"، {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ} (سورة النساء: 131)، التقوى جماع كل خير، وكنز عزيز إن ظفرت به ففيه خير كثير ورزق كريم وملك عظيم، يجمع لك خير الدنيا والآخرة، التقوى: اسم جامع لفعل الطاعات وترك المنكرات، فعل الواجبات واجتناب المحرمات، العمل بطاعة الله على نور من الله رجاء ثواب الله وترك معصية الله على نور من الله، مخافة عذاب الله. التقوى خشية مستمرة، والتقوى فضائلها عظيمة، وخيراتها جليلة، وعاقبتها طيبة، خيرها عاجل وبرها آجل، ومحبة الله من عواقبها، {فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}(سورة آل عمران:76)، من اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا، التقوى تستوجب معية الله بنصره وتأييده وتسديده، {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (سورة البقرة :194)، من يتق الله يكن معه، ومن يكن الله معه فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل، رعاية، حماية، أمان. التقوى مجلبةٌ لحفظ الله وتأييده، {وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (سورة النمل: 53)، تحفظ من كيد الأعداء، {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} (سورة آل عمران :120). من يتق الله يحمد في عواقبه ويكفه شر من عزوا ومن هانوا من يتق الله يجعل له مخرجا أُخذ يوسف من أبيه صغيراً، ورُمي في الجب معرضاً للهلاك، وأُخذ ليُباع عبداً بدراهم معدودة، ويُجعلُ في القصر متعرضاً لفتنة الشهوات، ثم يُدخَل السجن مظلوماً، فماذا كانت عاقبته، {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (سورة يوسف:90)، فآتاه الله الملك فعلا على كل من ظلمه، وصار سيداً عليهم، "ما خرج عبدٌ من ذل المعصية إلى عزِّ التقوى إلا أغناه الله بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا رفيق"، نادى عِمران بن النعمان أهل حمص وأمراء الأجناد، عندما أرسل عليهم الفرس ثمانين فيلاً، فكادت تنفض الخيول وتضطرب صفوف المسلمين، فلما أعيت الأمور المسلمين نادوا مراراً لا حول ولا قوة إلا بالله، فكفَّ الله الفيلة، وسلط عليها الحر، ففزعت إلى الماء فما استطاع سُواسُها ولا أصحابها حبسها، وحملت خيل المسلمين على الفرس فكان الفتح بإذن الله، {وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(سورة آل عمران:101)، التقوى أمر معروف لكن عاقبته جليلة، تطرد الحزن والخوف، {فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (سورة الأعراف:35)، وتنجِّي العبد من المهالك والمآزق والضيق، {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا}(سورة الطلاق:2)، فهذا يبحث عن وظيفة فلا يجد إلا أعمالاً فيها محرمات فيتركها لله، فيعوضه الله بعد حين خيراً عظيماً من عنده، لكن لا بد من مدة صبر، وهذا شابٌ تعرض للمحرمات والمغريات ودعته من دعته، ودُعي إلى الحرام مراراً، فاتقى وصبر والصبر مرّ، وترك المغريات والشهوات المحرمة ثقيل الوطأة، لكن عاقبته عظيمة، فزوجه الله تعالى زوجة ذات جمال ودين، حفظت عليه دينه ودنياه، فرأى فيها فرج الله وعاقبة التقوى، {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ}(سورة الزمر:61)، ويجعل الله من بعد عسر يسرا، {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}(سورة الطلاق:4)، وإذا اجتنب معصيته وفقه للطاعة، وهكذا ينقل الله المتقين من الحرام إلى الحلال ومن الضيق إلى السعة، وينجيهم من ألوان المحرمات، إلى ظلال الحلال والمباحات، ومن الضيق والكربات إلى السعة والفرج، ومن النار إلى الجنة، ((كان جريجٌ رجلاً عابداً فاتخذ صومعةً، وكانت امرأة بغيٌ يُتمثل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفتتنه لكم، فتعرضت له فلم يلتفت إليها، فاغتاظت فأتت راعياً كان يأوي إلى صومعته، فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت من الراعي، فلما ولدت قالت للقوم: هو من جريج، فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه، قال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيتَ بهذه البغي فولدت منك، قال: أين الصبي؟ فجاءوا به، فقال: دعوني حتى أصلي، فصلى فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه وقال: يا غلام من أبوك؟، قال: فلان الراعي)) رواه مسلم. أنطقه الله ونجاه بتقواه، أنطق الله الغلام بهذه الكرامة، ونجّى جريجاً بصلاته وتقواه، ويجعل الله لأوليائه مخارج عند الشدة. فليس كنصر الله للمرء عدة كما أن تقوى الله خير الذخائر وما أكثر الذين اتقوا الله فجعل لهم مخرجا، وقد حدثنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن الثلاثة أصحاب الغار الذين نجاهم الله من تلك المهلكة بأعمال صالحة اتقوا فيها ربهم. إن تقوى الله نعم الملجأُ ورجاء الناس بئس النبأُ قلما يبرأ منهوكُ الحجا عن هداه بعماه يربــأ في حادثة الإفك كانت العاقبة للمتقين الأطهار، ولما اشتد الأمر وعظم الكرب، وكانت الوطأة ثقيلة على محمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الأطهار وعلى سائر المؤمنين في المدينة والصحابة، أنزل الله براءة عائشة من السماء قرآناً يتلى إلى يوم الدين، فيه العبر والحكم أعزّ الله به المؤمنين، وأذل به المنافقين. ربعي بن حراش: رجل لم تسجل عليه كذبة أبداً، فلما انحنى ظهره وشاخ، ظهر الحجاج الظالم فطلب ابنيه ومعلوم ماذا سيفعل بهما، فقيل للحجاج: هاهنا رجل من أشجع زعم قومه أنه لم يكذب قط، فاسأله عن ابنيه فإنه سيكذب عليك، فبعث إليه فإذا شيخ منحنٍ فقال له: ما فعل ابناك؟ قال: هاهما في البيت والله المستعان، فحمله وكساه وأوصى به خيراً لصدقه. وإذا بحثت عن التقي وجدتـه رجلاً يصدق قوله بفعـال وإذا اتقى الله امرئٌ وأطاعـه فيداه بين مكارم ومعـالي وعلى التقيِّ إذا ترسخ في التقى تاجان تاج سكينة وجمـال وإذا تناسبت الرجال فما أرى نسباً يكون كصالح الأعمال أثر التقوى وعاقبة المتقين أثر التقوى على المتقي ليس في حياته فقط، بل تستفيد ذريته من تقواه، قال الله: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ}(سورة النساء:9)، ماذا يفعلون للأولاد الصغار؟ ضمان المستقبل كيف يكون؟ {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا} (سورة النساء:9)، فهذه الضمانة لك ولأولادك من بعدك، هذه الضمانة للمستقبل من اتقى الله أخلف له خيراً في أولاده، وهكذا يحفظ هو وأهل حيِّه بتقواه، {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}(سورة الكهف:82)، وهي سبب لحماية الإنسان من الشيطان، قال الله: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}(سورة الأعراف:201)، ويهديهم ربهم بتقواهم، لأن الكتاب هدى للمتقين، ويعلمهم ويتقبل منهم عملهم {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}(سورة المائدة:27)، وينالون ولايته {إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ}(سورة الأنفال:34)، وهكذا تحصل لهم البشرى بالرؤى الصالحة وثناء المحسنين عليهم {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَة} (سورة يونس:63-64)، البشرى جلب كل خير، واندفاع كل ضر، {إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (سورةالأنفال:29)، ويجعل الله لهم فارقاً بين الحق والباطل، ونوراً يهديهم به، {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ}(سورة النــور:40)، ولا يستوي المتقون وغيرهم، {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}(سورة ص: 28)، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}(سورة الحجرات:13). مراتب التقوى عظيمة، وأكرم الناس عند الله تعالى أتقاهم، وهذه التقوى التي تجلب الأرزاق وتنزل البركات، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ}(سورة الأعراف:96)، هذه التقوى التي تعصم من الآفات وتنزل المطر وتنبت النبات، هذه التقوى التي يعوض الله عز وجل صاحبها خيراً مما ترك، حَكَى ابن عقيل عن نفسه قال: حججت فالتقطت -وجد ساقطاً- عقد لؤلؤ في خيط أحمر، فإذا شيخ أعمى ينشده، ويبذل لملتقطه مائة دينار، فرددته عليه، -ما دام عرف صاحب اللقطة لا بد أن يردها إليه-، فقال: خذ الدنانير فامتنعت يعني - تعففاً-، وخرجت إلى الشام وزرت القدس، وقصدت بغداد، فأويت بحلب إلى مسجد -هذه رحلة أهل الحديث والعلم، يرتحلون بين البلدان لطلب العلم-، فأويت بحلب إلى مسجد، وأنا بردان جائع، فقدموني فصليت بهم، فأطعموني وكان أول رمضان، فقالوا: إمامنا توفي فصلِّ بنا هذا الشهر، -أعجبتهم قراءته، وسمته، وقدّر الله أن يكون إمامهم وفاته في ذلك الوقت-، قال: ففعلت، -صلى بهم الشهر-، فازدادوا به إعجاباً فقالوا: لإمامنا بنت فَزُوجت بها، فأقمت معها سنة، فولدت لي ولداً ذكراً، فمرضت في نفاسها فتأملتها يوماً فإذا في عنقها العقد بعينه بخيطه الأحمر، فقلت لها: لهذا قصة، وحكيت لها، فبكت وقالت: أنت هو والله لقد كان أبي يبكي ويقول: اللهم ارزق بنتي مثل الذي رد العقد عليّ، وقد استجاب الله منه، ثم ماتت فأخذت العقد والميراث، الآن أخذه بشرع الله الحق وبالحق الواجب، فأخذت العقد والميراث وعدت إلى بغداد. ((مرّ ابن عمر براعي غنم، فقال: بعنا شاة من غنمك نجتزرها ونطعمك من لحمها، قال: الراعي إنها ليست لي، إنها لمولاي، قال ابن عمر: قل له أكلها الذئب، فرفع الراعي رأسه إلى السماء، ومضى وهو يقول: فأين الله، قال ابن عمر: فأنا والله أحق أن أقول: فأين الله، فاشترى ابن عمر الراعي لأنه كان عبداً مملوكاً، واشتر الغنم فأعتقه وأعطاه الغنم)) رواه الطبراني في معجمه الكبير وصححه الألباني ورجاله ثقات. عباد الله: التقوى سبب اجتماع الأنساب الطيبة {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ}(سورة النور: 26). ((اشترى رجلٌ من رجلٍ عقاراً له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرةً من ذهب فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذهب، وقال الذي له الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها، فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد، قال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية، قال: أنكحوا الغلام الجارية وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا)) رواه البخاري. قال ابن حجر: "فأصلح بينهما لما ظهر له من ورعهما وحسن حالهما وارتجا من طيب نسلهما وصلاح ذريتهما". ثمرات التقوى عظيمة.. هذا موظفٌ يرى بعض من معه يرتشون وهو عفيف، لا يأخذ هذا الحرام، فيصبر، دخْلُ من معه يتضاعف وراتبه كما هو، ولكن يرزقه الله من البركة ومن العوض ومن الفرص الأخرى ما يعوضه عن ذلك، ويأتي أولئك من النكبات والأمراض ما ينفقون فيه الأموال الحرام التي أخذوها ولو بعد حين. التقوى لا يذهب معروفها، والذي يغض بصره عن الحرام، ويحفظ حق الله، ويراعي أعراض المسلمين فلن يذهب جهاده لنفسه سدى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}(سورة العنكبوت: 69). والذين أطلقوا أبصارهم في الحرام وولغوا فيه وعاثوا في الأعراض فساداً حالتهم كئيبة، ونفوسهم قلقة، وقلوبهم مريضة، فهم يخشون من انتقامٍ عاجل أو آجل أو من مرض يجعل نهايتهم بئيسة. ذكر بعض الباحثين في جامعة (برلنج بألمانيا) أنه درس علوم الجنس وأدواره وعلاجاته، فلم يجد علاجاً أنفع ولا أنجع من آية نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم في كتابه الذي جاء به من ربه: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ...}(سورة النور:30)، {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...}(سورة النور: 31)، وهكذا يعف الإنسان المسلم عن الزنا والفواحش، وينتظر العوض من الله بفرجٍ من زواجٍ يُيَسر الله عز وجل له به مهره وبنت الحلال، وهكذا المرأة إذا اتقت الله تعالى، فصبرت على العفة عوضها الله، وإذا لم يكن تعويضٌ في الدنيا فإن العوض العظيم ينتظر يوم القيامة {مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى}(سورة النساء 77). ومن اتقى الله في تربية أولاده فإن الله جاعلٌ له منهم قرة عين، فإما أن يرى ثمرته معجلة أو أن يرى تعبه الذي تعبه فيه أجراً عظيماً يوم القيامة والله لا يضيع أجر المحسنين. ومن اتق الله فصبر على الابتلاء وقد قيل له: فلان الساحر مجرَّب، وفلان الكاهن يداوي وعنده نتيجة، ولكن لم يغامر بتوحيده، ولم يرض بأن تذهب عقيدته مع هؤلاء المشعوذين هباءً منثوراً، فصبر على آلام النفس والجسد، فإما أن يُعقبه الله شفاءً في الدنيا بعد صبره، وقد لبث أيوب في البلاء ثماني عشرة سنة، ثم جاء الفرج من الله، وخرَّ عليه رجل جراد من ذهب يعني شيءٌ كثير، لا غنى لي عن رحمتك. ومن اتقى الله فأدى زكاة ماله مهما كثرت عوضه الله فيها خيراً عظيماً، ولو نقص الرقم لكن زادت البركة وزاد الخير، وصار الهناء في المعيشة، ومن اتق الله فترك هذه المعاملات الربوية المحرمة، وكثيرٌ من الإعلانات الآن في الجرائد فيها: مطلوب قرض شخصي، مطلوب قرضي شخصي ثلاثمائة ألف، خمسمائة ألف، ويذكر الضامن، ويذكر ويذكر، معنى ذلك أن هؤلاء يريدون الربا ولا يبالون. فمن اتقى الله وصبر ولم يأخذ من الربا مع انفتاح أبوابه، وكثرة ما يسمى بالقروض الشخصية وهي قروض ربوية، فإن الله سيعوضه من عنده، وسيفتح له باب فرج. قال أبو قتادة وأبو الدهماء: أتينا على رجل من أهل البادية، فقال البدوي: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يعلمني مما علمه الله تبارك وتعالى، وقال: ((إنك لن تدع شيئاً اتقاءَ الله جل وعزّ إلا أعطاك الله خيراً منه)) رواه أحمد وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح. والتاجر الصدوق الأمين الذي يصدُق في بيعه وشراءه وأقواله وأفعاله، وهو يرى أنواع الغش والاحتيالات والتدليس والتلبيس، ويرى ما يحصله بعض أهل السوق من وراء هذا من المكاسب الكثيرة يصبر فلا يغش، ويصدق فلا يكذب، فيعقبه الله في دخله بركةً وزيادةً من حيث يشعر أو لا يشعر. اتخذ طاعة الله تجارة تأتيك الأرباح من غير بضاعة. وإن امرؤٌ لم يرتحل ببضاعة إلى داره الأخرى فليس بتاجرِ وإن امرؤٌ يبتاع دنياً بدينه لمنقلبٌ منها بصفقة خاســر فالعاقبة الحميدة للمتقين، ولكن المسألة تحتاج إلى صبر، ولذلك قال: {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}(سورة هود:49). يقوم الداعية إلى الله، فيدعو إلى سبيل ربه، ويعلِّم الناس، فيصبر على الأذى، وربما ناله ما ناله، وقد نال النبي صلى الله عليه وسلم من أذى قريش شيءٌ عظيم، حتى قال: ((لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد)) وقال عليه الصلاة والسلام: ((وأخفت في الله وما يخاف أحد)) فقد أخيف بما لم يُخف أحدٌ مثل ما أخيف، وأوذي بما لم يؤذ أحدٌ مثل ما أوذي عليه الصلاة والسلام. فماذا فعل؟ صبر. هل ترك الدعوة؟ لا. هل حاد عن منهاج ربه؟ لا. استمر صابراً على ما أنزله الله عليه {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ}(سورة الزخرف: 43)، ومضى إلى ربه. نعم، يضيق صدره بالأذى {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ}(سورة الحجر: 97)، فهذا الضيق حاصل، لكن ما هي النتيجة؟ وما هي العاقبة؟ الظفر والنصر، "إن أتاكم الله بالعافية فاقبلوا، فإن ابتليتم فاصبروا، فإن العاقبة للمتقين" قاله علي رضي الله عنه. ولا بد في طريق الدعوة من الصبر على الابتلاء، وليس ثمَّ طريقٌ في الدعوة خالٍ من الإيذاء، ولذلك أمرنا الله تعالى بالتواصي بالحق، والتواصي بالصبر؛ لأن المؤمنين يثبت بعضهم بعضاً {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (سورة العصر). يُشجع المنافقون الذين يتنازلون عن أشياء من دينهم، ويستقبلونهم فرحين، ويُفسحون لهم المجال والشهرة والأضواء، لكن الذي يصبر فلا يدخل في هذا طاعةً لله، وصبراً لدين الله؛ لأنه لا يريد أن يتنازل عن شيءٍ مما أنزله الله {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ * وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا}(سورة الزخرف: 43-45). هذا طريق واحد، ودربٌ طويل، وفيه مشاق، لكن لا خيار ولا مناص {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا}(سورة الطلاق: 5)، {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}(سورة النور: 52)، {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا}(سورة مريم: 63)، {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ}(سورة ص: 49)، {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}(سورة مريم:71، 72). اللهم اجعل الجنة مأوانا ومثوانا، ودارنا يا رب العالمين، اللهم أحسن خاتمتنا، وارض عنا، وأكرم نُزلنا، وكفر عنا سيئاتنا، وضاعف لنا حسناتنا، اللهم أعطنا ثواباً جزيلاً من عندك يا رب العالمين، واختم لنا بخيرٍ يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، اللهم ثبتنا على دينك حتى نلقاك، وثبت على الصراط أقدامنا حتى نجوز إلى جنتك، اللهم إنا نسألك الاستمساك بالعروة الوثقى، وأن تيسر لنا التقوى، اللهم اجعل عملنا في هداك، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، أحينا مؤمنين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور. اللهم كفر عنا سيئاتنا، وأصلح ذرياتنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخائم قلوبنا، واشرح للحق صدورنا يا أرحم الراحمين. اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا أن تخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، اللهم إنا نسألك مغفرتك ورحمتك، وفضلك فإنه لا يملكه إلا أنت، أغننا بحلالك عن حرامك، أغننا بحلالك عن حرامك، أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك. اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا عتقاً من النار، أعتق رقابنا من جهنم يا رب العالمين، اللهم اكتبنا من الناجين، اللهم اجعلنا مع السعداء، وأورثنا منازل الشهداء، وحياة الأتقياء، ومرافقة الأنبياء في الجنة يا رب العالمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. |
|
|
|