رأيت من كنت أحسبه ملاكاً .. ينقلب شيطاناً أؤمن أن حكمة الله خفية جداً .. عميقة جداً .. فوق الفهم والإدراك .. ولا أطمح إلى كشف تفاصيلها والإلمام بكل نواحيها ..
ولكنني أكاد أتلمس خيطاً من خيوط حكمته في هذا البلاء النازل على رؤوسنا .. إنها حكمة “التمايز” .. إن صحت التسمية لأن إيمان الإنسان .. وأخلاقه .. وعلاقته مع خالقه .. ومع مخلوقات الخالق .. لا تكشف إلا عندما توضع على المحكّ لتُختبر
ولأن الإنسان في أيام الرخاء والدعة .. يتجمل بأثواب الرفاه .. ويتستر بأسترة المجاملة والنفاق والإدعاء
أما إذا وضع تحت الاختبار والشدّة .. تخلى عن كل الأقنعة .. وظهر على حقيقته الخالصة
فمن كان على خير .. ازداد خيره
ومن كان على شرّ .. بان شره
ومن كان يتأرجح بين هذا وذاك .. ويقف على أسوار الحيرة .. اختار ضفّة .. وقفز إليها
فترى من كان مؤمناً بالله .. يزداد إيمانه
ومن كان جاحداً .. يزداد جحوده
ومن كان ذو خلقٍ كريم وسماحة .. ازدادت سماحته وطيبته
ومن كانت في قلبه نزعة شرٍ وإجرام .. بانت وظهرت .. حينما غاب سيف العدالة وساد قانون الغاب وأمن المجرم العقاب الرادع
في سنوات عمري القليلة الأخيرة ..
رأيت من كنت أحسبه ملاكاً .. ينقلب شيطاناً
ومن كنت أحسبه صديقاً .. ينقلب عدواً
ومن كنت أحسبه يحمل قلباً أبيض .. يكشف عن سوادٍ حالكٍ يمور في صدره
ومن كنت أحسبه ذو عقلٍ ورشد وحكمة .. يكشف عن جهل عميق
ولا أدري إن كنت حينها قاصر النظر أعمى البصيرة .. أم أن مسرح الحياة مخاتلٌ إلى هذا الحدّ كله
ولكني لا أخفي دهشتي وصدمتي وحزني في كثير من الأحيان بما رأيت من انقلاب الصور وانكشاف الطبائع وتبدل ما ألفت وعرفت وأحببت .. وتعلمت في نهاية الأمر درساً بسيطاً ..
أن الأزمات لا تصلح أخلاق قومٍ ولا تفسدها
وأن جلّ ما تفعله أنها تظهر البشر على حقائقهم وتكشف معادنهم
هكذا .. ليميز الله الخبيث من الطيب |
|
|
|