الأمانة في كل شيء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد أمر الله -تبارك وتعالى- بتأدية الأمانة إلى أهلها، وحث على ذلك، فقال تعالى: {إِنَّاللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} سورة النساء(58).
والأمانة من أبرز أخلاق الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، فقد أخبرنا الله في سورة الشعراء أن نوحا وهودا وصالحا ولوطا وشعيبا قال كل واحد منهم لقومه: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} سورة الشعراء(107)، وقالها موسى لفرعون وقومه كما في قوله تعالى: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} سورة الدخان(18)، وقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- في قومه مشهورا بالأمين، وقد كان الناس يفضلونه ويختارونه لحفظ ودائعهم عنده.
فالحفاظ على الأمانة ورعايتها وصيانتها صفة من صفات عباد الله المؤمنين: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} سورة المؤمنون(8).
وفي المقابل تعد الخيانة وضياع الأمانة دليل على ضعف الإيمان أو عدمه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)1.
بل تضييع الأمانة علامة النفاق؛ لما في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)، وفي رواية: (وإن صام وصلَّى وزعم أنه مسلم).
كما أن ضياع الأمانة علامة من علامات الساعة الصغرى؛ وذلك بأن يسند الأمر والشأن إلى غير أهله؛ لما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: بينما النبي -صلى الله عليه وسلم- في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذ قضى حديثه، قال: (أين-أراه- السائل عن الساعة) قال: ها أنا يا رسول الله، قال: (فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة) قال: كيف إضاعتها؟ قال: (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)..
والأمانة ثقيلة على الإنسان، فلا ينبغي التطلع إلى المسؤولية والحكم إلا لمن كان وجوده مهماً في ذلك المنصب. أخرج مسلم في صحيحه عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله ألا تستعملني -يعني ألا تجعلني والياً أو أميراً أو رئيسا لك على إحدى المدن- قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: (يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها).
وقد اختلف العلماء في بيان ماهية الأمانة، فمن قائل أنها: الفرائض التي افترضها الله على العباد، ومن قائل: أنها الدين كله، ومن قائل أنها ما أمر الإنسان به وما نهي عنه، ومن قائل أنها: غسل الجنابة، ومن قائل أنها: أمانات الأموال كالودائع وغيره، وغير ذلك من الأقوال، قال القرطبي عند تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} سورة الأحزاب(72): "والأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال وهو قول الجمهور"2. وعليه فإن كل أمرٍ وكل إلى الإنسان القيام به شرعاً أو عرفا أو عادة فقد وجب عليه القيام به، فالصلاة أمانة، والغسل من الجنابة أمانة، وحفظ الأسرار أمانة، وتربية الأولاد أمانة، والوظيفة أمانة، وحفظ الودائع أمانة، بل نفس الإنسان وأعضاؤه وجوارحه؛ كالعين والأذن واللسان والقلب أمانة يجب عليه أن يحفظ تلك الأعضاء من أن يستخدمها في غير ما خلقت له.
فالله الله في حفظ الأمانات ورعايتها، وتأديتها على الوجه المطلوب..
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. .................................................. ....
1 رواه الإمام أحمد والبيهقي، وهو حديث صحيح..
2 الجامع لأحكام القرآن(14/225).