(( ايات السكينه فى القرآن )) إن البشرية اليوم تحتاج الى من يفتح لها نوافذ السكينة
لتدلف النفوس الى واحات الرحمة
ولتذوق طعم الراحة والطمأنينة
لتُشرق حينئذ الحياة وتُذاق لذتها
فلا يضر المرء حينها أن يعيش في وسط هذا الزخم المذهل
من جمود الحياة وتقلص سعادتها
فالعبد يحتاج الى كل ملطف يلطف به أرجاء نفسه لتصفو
ويطرق كل باب يستطيعه ليترقى في درجات الفلاح ويعلو
وإن القرآن الكريم أعظم ما تطمئن به القلوب وترتاح
وأنجع ما تُدفع به الهموم والاتراح
ونقتبس من معينه في هذه الكلمات آيات السكينة
ونسلط عليها الضوء لنعرف الحق ونستبينه
قال ابن القيم – رحمه الله - :
و كان شيخ الإسلام إبن تيمية إذا اشتدت عليه الأمور
قرأ آيات السكينة ا.هـ
وهذا من فقهه للكتاب والسنة على ما سنذكره
من الآيات
وقد استفاد ابن القيم من هذه الفائدة العظيمة من شيخه فعمل بها
حيث يقول " وقد جربت أنا أيضا قراءة هذه الآيات
عند اضطراب القلب مما يرد عليه
فرأيت لها تأثيرا عظيما في سكونه و طمأنينته " ا.هــ
ياللــــه ** ما أشد حاجتنا إلى هذا العلاج القرآني
وحالات القلق والهموم والإضطرابات العصبية والأحزان
قد عصفت بكثير من أبناء الجيل
فجعلتهم ما بين جريح وقتيل ، مع أن العلاج بسيط جدا
والوصفة يملكها كل مسلم .
وهذه الآيات التي سأذكرها هي أحد بنود هذه الوصفة
إذا قرأها موقنا بها قلبه ، فإنها – بإذن الله
من أعظم الأسباب في سكون القلب و تلاشي اضطرابه
وهي تشمل كل ما ذكر من لفظ السكينة في القرآن
جُمعت هنا ليسهل حفظها
مع تذكير سريع بالأجواء التي نزلت فيها ليتيسر فهمها
وهي كالتالي :
( وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ
فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى
وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )
{البقرة :248}
قال الشيخ ابن عثيمين في تفسير هذه الآية "
و( التَّابُوتُ ) شيء من الخشب أو من العاج يُشبه الصندوق
ينزل و يصطحبونه معهم وفيه السكينة
يعني أنه كالشيء الذي يُسكنهم و يطمئنون إليه
وهذا من آيات الله "
وقال " وصار معهم – أي التابوت –
يصطحبونه في غزواتهم فيه السكينة
من الله سبحانه و تعالى :
أنهم إذا رأوا هذا التابوت سكنت قلوبهم
وانشرحت صدورهم "
في يوم حنين و في تلك الساعات الحرجة
التي قال الله عنها
( وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ {25} )
نزلت السكينة فقال تعالى :
( ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ
وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ
وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ )
{التوبة : 26}
3- ولو نظر أحد المشركين الى ما تحت قدمه
في يوم الهجرة لرأى النبي و صاحبه
قال ابن سعدي : " فهما في تلك الحالة الحرجة الشديدة المشقة
حين انتشر الأعداء من كل جانب يطلبونهما ليقتلوهما
فأنزل الله عليهما من نصره مالا يخطر على بال "
فقال تعالى :
( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ
ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ
لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ
وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى
وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )
{التوبة :40}
4- وفي الحديبية تزلزلت القلوب
من تحكم الكفار عليهم
فنزلت في تلك اللحظات السكينة فقال تعالى
( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ
لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً )
{الفتح :4} ،
والظاهر - والله أعلم – بأن الحديبية
كانت من أشد المواقف التي أُمتحن فيها المسلمون
يدل على ذلك تنزّل السكينة فيها أكثر من مرة
كان هذا الموقف أحدها
5-
و هذا الموقف الثاني الذي ذكر الله فيه
تنزّل السكينة في الحديبية ، عند بيعة الرضوان
حيث قال تعالى
( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ
إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ
فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً )
{الفتح : 18}
وهذه الآية السادسة والأخيرة
وهي المرة الثالثة الذي ذكر الله
تنزّل السكينة فيها في الحديبية
فقال تعالى :
( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ
حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ
وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى
وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً )
يقول سيد قطب – رحمه الله
عن قوله تعالى ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ ) "
بهذا التعبير يرسم السكينة نازلة في هينة و هدوء ووقار
تُضفي على القلوب الحارة المتحمسة المتأهبة
المنفعلة بردا وسلاما و طمأنينة و ارتياحا "
فإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أهمية السكينة
وأن بعض المواقف تحتاج الى تنزّل السكينة
أكثر من مرة لأهميتها في تجاوز ذلك الموقف
و الموفق من وفقه الله -
فتأمل نزول السكينة في الساعات الحرجة
ولحظات الإضطراب
ثم تأمل حساسية المواقف التي نزلت فيها
تلك الآيات و تنوع أشكالها
لعلك تُدرك أثر السكينة
في تثبيت النفس وسكون اضطرابها
وعميق ما تُخلفه من ظلال
وارفة على القلب قد آتت ثمارها .
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
إذا اشتدت عليه الأمور:
قرأ آيات السكينة.
وأصل السكينة هي الطمأنينة والوقار والسكون
الذي ينزله الله في قلب عبده عند اضطرابه من
شدة المخاوف، فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه
ويوجب له زيادة الإيمان، وقوة اليقين، والثبات
ولهذا أخبر سبحانه عن إنزالها على رسوله
وعلى المؤمنين في مواضع القلق والاضطراب
كيوم الهجرة، إذ هو وصاحبه في الغار
والعدو فوق رءوسهم، لو نظر أحدهم إلى ما تحت
قدميه لرآهما
وكيوم حنين حين ولوا مدبرين من شدة بأس الكفار
لا يلوي أحد منهم على أحد
وكيوم الحديبية حين اضطربت قلوبهم من تحكم
الكفار عليهم، ودخولهم تحت شروطهم
التي لا تحملها النفوس
وحسبك بضعف عمر رضي الله عنه عن حملها
وهو عمر، حتى ثبته الله بالصدِّيق رضي الله عنه.
وفي صفة رسول الله في الكتب المتقدمة:
إني باعث نبيا أميا، ليس بفظ، ولا غليظ
ولا صخاب في الأسواق، ولا متزين بالفحش
ولا قوال للخنا، أسدده لكل جميل
وأهب له كل خلق كريم، ثم أجعل السكينة لباسه
والبر شعاره، والتقوى ضميره، والحكمة معقوله
والصدق والوفاء طبيعته، والعفو والمعروف خلقه
والعدل سيرته، والحق شريعته، والهدى إمامه
والإسلام ملته، وأحمد اسمه
» مدارج السالكين « (2/502-504)
فهذه آيات السكينة في القرآن
وهذا بعض أثرها على قلبك أيها الإنسان
فلتحفظها ولتكن منك على بال
ولنقرأها على أنفسنا وأزواجنا والأطفال
فإن الأثر عظيم ، والنتيجة معلومة .
اللهم لولاك ما اهتدينـا ** و لا تصدقنا و لا صلينا
فأنزلـن سكينة علينـا ** و ثبت الأقدام إن لاقينا
اللهم اجعلنا ممن تتنزل عليه السكينة
وتغشاه الرحمة
وتحفه الملائكة
واجعلنا ممن تذكره عندك في الملأ الأعلى
آمين . |
|