موقف الإسلام من الآثار
في مقالٍ سابق تعرَّضت للكلام عن الآثار وأهميَّتها من وجهة نظَر أوَّل مَن أنشأ لها علمًا مستقلاًّ ودراسات من الغربيين، وكيف أنَّهم اتَّخذوا التَّنقيب عن الآثار ذريعةً للنَّيل من الإسلام والمسلمين بالطرُق الخفيَّة الملْتوية، بالإضافة إلى العمَل على زعْزعة عقيدة المسلم تجاه الثَّوابت الشَّرعية كالولاء والبراء، فضلاً عن التشكيك في التَّاريخ الإسلامي.
وقد أشرت في ذيْل المقال السَّابق إلى أنَّني بصدد تسطير مقال يفصح عن موقف الإسلام من قضيَّة الآثار، ويسفر عن موقف القُرآن الكريم والسنَّة النبويَّة من الموقف الشَّرعي من آثار الأمم السَّالفة.
وأذكِّر إخواني وأخواتي أنَّ الآثار هي ما تركتْه الأمم السَّالفة من مخلَّفات تدلُّ عليها، كالمساكن والبِنايات واللَّوحات، والقطع المعدنيَّة والحجريَّة متعدّدة الأشكال، ممَّا ينمّ عن ثقافة تلك الأُمَم، وتُشير إلى بعض المظاهر الاجتِماعيَّة، ممَّا يُمكن لهذه الآثار أن تدلَّ عليه حالاً ومقالاً، وهذا التَّعريف هو المقْصود به علم الآثار كعِلْمٍ من العلوم الإنسانيَّة، والَّتي لم يعرِفْها المسلمون من قبل العصر الحديث،
كما أشار إلى ذلك الدكتور ماجد المضيان في كتابه "دور أهل الذمَّة في إقصاء الشريعة الإسلاميَّة"، حيث قال:
"فعند النَّظر في "مفتاح السعادة" - وهو أشمل معاجم أنواع الفنون - نجِده يقول عن علم الآثار: وهو علم يبحث فيه عن أقْوال العلماء الرَّاسخين من الصَّحابة والتَّابعين والسَّلف الصَّالحين، وأفعالهم وسيرهم في أمر الدّين والدنيا؛ فهذا هو غاية ما يفهم عند المسلمين الأوائل والمصنِّفين المتأخِّرين من كلمة الآثار إذا ما ذكر علم الآثار".
ثمَّ قال - حفِظه الله -: "نخرج بنتيجةٍ لا أظنُّ أنَّ أحدًا يجادل فيها، وهي حقيقة واضحة: أنَّ تأسيس علم مستقلٍّ له مقدّماته وأدواته ومنظِّروه، ويسمَّى بـ"علم الآثار"، ويصنف من العلوم الإنسانية المعروفة بالمصطلح العصْري - إنَّما هو من بِدَع اليهود والنَّصارى ومن اختراعات الغرب، فقد نشأ عندهم، فأسّس على أيدي رجالِهم، وصنَّف فيه مؤلفوهم، بل وتولاَّه - حتَّى في ديار المسلمين - رجالٌ منهم، وتربَّعوا على أعلى المناصب من خلاله"؛ ص 332.
فأقول: إنَّ من المقرَّر ضرورةً أنَّ الإسلام يتميَّز بالشموليَّة في تشْريعاته وأحْكامه، ومقاصده وغاياته، ففي هذه المقالة أتناوَل الموقف الإسلامي من الآثار، والَّذي سيكون من خلال العديد من النّقاط على الوجْه التَّالي:
موقف القرآن والسّنَّة من الآثار:
فأقول: منذ أن أضاء الإسلام وجْه الأرض وخيَّم على البريَّة بمنهجه، وموقفُه من الآثار محدَّد معيَّن مسجَّل في آيات القرآن الكريم والأحاديث النبويَّة التي تنمّ عن موقفِه، وتنمّ عن الهدف والغاية الَّتي يَجب أن يعتني بها المرء تجاه هذا الأمر، فالمقاصد الشَّرعيَّة من الإشارة إلى السَّالفين وأمَمِهم وأحوالهم تندرِج تحت جُملة من المفاهيم، والتي تتَّضح من خلال النقاط التالية:
1- أخذ العبرة والاتِّعاظ بالمفهوم العام الشَّامل للأطْوار المختلفة، والأحوال المتنوّعة للمصدّقين والمكذّبين، والمؤمنين والكافِرين؛ مصداقًا لقوله -تعالى-: ? لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ? [يوسف: 110]،
وقوله - جلَّ شأنه -: ? فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ? [الحشر: 2].
2- الحثّ على الاقتداء بالأنبِياء وأتباعِهم من المؤمنين في مواقفهم؛ كما في قوله - سبحانه -: ? قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ? [الممتحنة: 4].
3- بيان عقوبة الأُمَم المكذبة التي طغتْ في الأرض وتجبَّرت على الخلق، وادَّعَوُا القوَّة والخلود، فما كان إلاَّ أن جعلهم الله -تعالى- عبرة، وشرَّد بهم مَن خلفهم لعلَّهم يذكَّرون؛ كما في قول الملك - تبارك وتعالى -: ? أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ? [الفجر: 6 - 14]،
وقوله -تعالى-: ? وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ? [الأحقاف: 26 - 27]،
وقوله - جلَّ وعلا -: ? فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ? [فصلت: 15 - 16]،
وقوله - تبارك وتعالى -: ? وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ? [القصص: 58 - 59].
4- بيان نصرة الله -تعالى- للمؤْمِنين والتَّمْكين لهم في الأرْض، كما في قولِه - سبحانه -: ? وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ? [الأعراف: 137].
5- تثبيت قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في قوله -تعالى-: ? تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ? [هود: 49].
الأحكام المتعلقة بالآثار:
يمكن أن يقال: إنَّ الآثار بهذا المصطلح العصري يتعلَّق بها ويترتَّب عليها جملةٌ من الأحكام الإسلاميَّة، والتي يمكن تقسيمها إلى:
أ- الأحكام العقديَّة والسلوكيَّة:
1- من المقرَّر أنَّه لا مجال لتعظيم إلاَّ ما عظَّمه الله -تعالى- ورسوله، فضلاً عن تعظيم الجمادات من الأحجار والأخْشاب، حتَّى ولو كانت تلك الجمادات تنتسِب للإسلام والمسلمين، فلا مُعظَّم إلا ما عظَّمه الشَّرعُ، وما سوى ذلك فلا يدخله التعظيم؛ دفعًا للغلو وسدًّا لذريعة الشرك، كما هو مقرَّر في موطنه من كتُب العقائد التي اعتنتْ بِمسائل الشِّرْك وأسبابه، والحذَر منه ومن الذَّرائع المؤدِّية إليه.
قال ابن تيمية في "الصراط المستقيم": "فإنَّ تعظيم مكانٍ لم يعظِّمه الشَّرع شرٌّ من تعظيم زمان لم يعظِّمْه؛ فإنَّ تعظيم الأجسام بالعبادة عندها أقْرب إلى عبادة الأوثان من تعظيم الزمان"؛ (1 -318).
2- مخالفة القُرآن صراحة، ومحادَّة الشَّرع بصورة لا يرتاب فيها مسلم فهِم عن الله تعالى، وهذا يقع بتعظيم ما أهانه الله -تعالى- من الأمم وجعلهم عبرة للخالفين، مثل قوم فرعون الَّذين يُعظَّمون تحت مسمَّى الحضارة الفرعونيَّة المصريَّة، ممَّا يعارض قولَه -تعالى-: ? وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ? [الحج: 18]،
ومن المقرَّر ضرورةً كُفْر فرعونَ وقومِه؛ كما سُطر ذلك في كثير من الآيات القرآنيَّة، ومنها قوله -تعالى-: ? وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ * يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ ? [هود: 96 - 99]،
وقال - عزَّ وجلَّ -: ? وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ ? [القصص: 38 - 41].
3- كثير من هذه الآثار تكون على هيْئة الأصنام والمقابر، ومن المعلوم أنَّه لا يجوز تعظيم القبور في الإسلام، وأن هذا من جنس فِعْل المشْركين، والأدلَّة متواترة على تَحريم تعظيم الأوْثان والأصنام والقبور بشتَّى الصور المختلفة، سواء بالزّيارة أو الطَّواف أو غير ذلك، ويُمكن أن يستدلَّ لذلك بقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (27 - 107):
"لم يأْمُر الله ولا رسولُه ولا أئمَّة المسلمين بتقْبيل شيء من قبور الأنبِياء والصَّالحين، ولا التمسُّح به، لا قبر نبيِّنا، ولا قبر الخليل، ولا قبر غيرِهما؛ بل ولا بالتَّقبيل والاستِلام لصخرة بيت المقْدس، ولا الرُّكنين الشَّاميين من البيت العتيق، بل إنَّما يُستلم الرُّكنان اليمانيَّان فقط اتِّباعًا لسنَّة النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فإنَّه لم يستلِم إلاَّ اليمانيَّين ولم يقبِّل إلاَّ الحجر الأسود، واتَّفقوا على أنَّ الشاميّين لا يستلمان ولا يقبَّلان، واتَّفقوا على أنَّ اليمانيين يستلمان، واتَّفقوا على تقْبيل الحجر الأسود.
وتنازعوا في تقْبيل اليماني على ثلاثة أقوال معروفة، قيل: يقبَّل، وقيل: يُستَلَم وتقبَّل اليد، وقيل: يستلم ولا تقبَّل اليد، وهذا هو الصَّحيح؛ فإنَّ الثَّابت عن النبيِّ أنَّه استلمه ولم يقبِّله، ولم يقبِّل يدَه لمَّا استلمه، ولا أجْرَ ولا ثواب فيما ليس بواجب ولا مستحبّ، فإنَّ الأجر والثَّواب إنَّما يكون على الأعْمال الصَّالحة، والأعمال الصَّالحة إمَّا واجبة وإمَّا مستحبَّة.
فإذا كان الاستلام والتَّقبيل لهذه الأجسام ليس بواجب ولا مستحبّ، لم يكن في ذلك أجر ولا ثواب، ومنِ اعتقد أنَّه يؤْجَر على ذلك ويُثاب، فهو جاهل ضالٌّ مخطئ، كالذي يعتقد أنَّه يؤجر ويثاب إذا سجد لقبور الأنبِياء والصَّالحين، والذي يعتقد أنَّه يؤجر ويثاب إذا دعاهم من دون الله، والذي يعتقد أنَّه يؤجر ويثاب إذا صوَّر صُوَرَهم كما يفعل النَّصارى، ودعا تلك الصور وسجد لها، ونحو ذلك من البِدَع الَّتي ليستْ واجبةً ولا مستحبَّة؛ بل هي إمَّا كفر وإمَّا جهل وضلال.
وليس شيءٌ من هذا من الدّين الَّذي بعث الله به محمَّدًا باتّفاق المسلمين، ومَن اعتقد أنَّ هذا من الدّين وفعله، وجب أن يُنْهَى عنْه، ولَم يستحبَّ هذا أحدٌ من الأئمَّة الأربعة، ولا فعله أحد من الصَّحابة والتَّابعين لهم بإحسان.
ومَن أمر النَّاس بشيء من ذلك، أو رغَّبهم فيه، أو أعانَهم عليه من القُوَّام أو غير القوَّام، فإنَّه يجب نَهيه عن ذلك ومنْعه منه، ويُثاب وليّ الأمر على منْع هؤلاء، ومَن لم ينتهِ عن ذلك فإنَّه يعزَّر تعزيرًا يرْدَعُه، وأقلّ ذلك أن يعزل ولا يُتْرك من يأمر النَّاس بما ليس من دين المسلمين.
والكسْب الَّذي يُكسب بمثل ذلك خبيثٌ من جنس كسْب الَّذين يكذبون على الله ورسوله، ويأخذون على ذلك جُعلاً، ومن جنس كسْب سدنة الأصنام الذين يأمرون بالشِّرْك ويأخذون على ذلك جُعلاً، فإنَّ هذه الأمور من جملة ما نُهي عنه من أسباب الشرك ودواعيه وأجزائه"؛ اهـ.
قلت: وإن كان هذا في الأشياء الَّتي قد يتأوَّل النَّاس لها نسبة شرعيَّة، ولو كانت غير مسلَّمة ولا مقبولة، ومرْدودة على صاحبِها والدَّاعي إليْها، فلأن يكون ذلك بِما خالف الإسلام وأهله، والتَّوحيد ودعوته أوْلى من الأمور الَّتي لا مرية فيها مطلقًا عند مسلم أو عاقل يعي أن الإسلام حارب الوثنيَّة ودعا إلى سدّ الذَّرائع المؤدية للشِّرك.
4- إنَّ النظر في - ولا أقول: دراسة - الآثار، مفسدةٌ؛ لأنَّه ليس من المفيد إضاعة الأوقات والأعمار في دراسة عِلْم لا فائدة محقَّقة منه سوى التعرُّف على آثار الغابرين، وثقافتهم ومنهجهم في الحياة، والتي أبدلنا الله -تعالى- بدَلَها الإسلام، وهو الحضارة الحقيقيَّة والمجد الحقيقي، وبه العز والشَّرف والمكانة الرَّفيعة، مع ما فيه من غَناء تامٍّ للحاجة العقديَّة والنفسيَّة، والمعنويَّة والمادِّيَّة، الَّتي لا يمكن أن تتوفَّر إلاَّ في الإسلام، الَّذي هو دين ربِّ العالمين، والَّذي أُرسل به مُحمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم.
يتبع...