عِنايةُ المستشرقين وأذنابهم بغُلاةِ الصُّوفيَّةِ
(الحَلَّاجُ أنْموذجًا)
عَلَوي بن عبدالقادر السَّقَّاف
المُشرِف العام على مُؤسَّسة الدُّرَر السَّنيَّة
غرة رمضان 1440هـ
الحمدُ لله على نِعمةِ الإسلامِ والعَقلِ الصَّحيحِ الموافِقِ لسَليمِ الفِطرةِ،
والصلاةُ والسلامُ على سيِّدنا مُحمَّدٍ نبيِّ الرَّحمةِ، والدَّاعي إلى ربِّه وهادِي الأُمَّةِ،
وعلى آلِه وجميعِ أصحابِه البَررَةِ، المُرتضَينَ لصُحبتِه،
والمختارِين لنُصرتِه، والمُبلِّغين بَعدَه لآثارِه وسُنَّتِه.
وبعدُ:
فإنَّ الإسلامَ الذي مَصْدَرُ تلقِّيه الكِتابُ والسُّنةُ الصَّحيحةُ بفَهْمِ سَلفِ الأُمَّةِ؛
هو الإسلامُ الحَقُّ الصحيحُ، الذي لو استَمْسَكتْ به الأمة فسَتنتصِرُ لا مَحالةَ؛
ولأنَّ المستشرقين وأمثالَهم يعلمون ذلك جيدًا فهم لا يَفتؤُونَ يَنشُرون
ما يُخالِفُ هذا الدِّينَ الصحيحَ من الضَّلالاتِ، والخُرافاتِ، والخُزَعبِلاتِ،
والبِدَعِ، والكُفْريَّاتِ بيْن المسلمينَ، ساعَدَهم على ذلك تَطوُّراتُ العصْرِ الحديثِ،
بِدايةً مِن تَطوُّرِ الطِّباعةِ قبْل قَرنينِ من الزَّمانِ تَقريبًا، ثم اختراعِ المِذياعِ،
والتِّلفازِ، ثمَّ انتشارِ مَواقِعِ التواصُلِ الاجتماعيِّ عبْرَ الإنترنتِ في الوقت الحاضرِ.
وكانت البدايةُ بعَصرِ الطِّباعةِ؛ حيثُ نشِطَ المُستشْرِقون في البحثِ
والتَّنقيبِ عن كُتبِ غُلاةِ الصُّوفيَّةِ،
كالحَلَّاجِ، والتِّلمسانيِّ، وابنِ الفارضِ، وابنِ عَربيٍّ، وابنِ سَبعينَ، وغَيرِهم،
فقاموا بتَحقيقِها وطِباعتِها طباعةً أنيقةً في ذلك العصْرِ،
ونَشرُوها في بِلادِ المسلمينَ بلُغاتٍ عِدَّةٍ، وخاصَّةً اللُّغةَ العربيةَ،
وكَتَبوا عنهم وألَّفوا في سِيَرِهم، ومِن هؤلاء([1]):
1- دي ساسي (ت: 1838م) مُستشْرِقٌ فَرنسيٌّ:
حقَّق ونشَر شِعرَ ابن الفارِضِ، وتَرجَمَ قَصيدةَ (البُردة) للبُوصِيريِّ.
2- دي تاسي (ت: 1878م) مُستشْرِقٌ فَرنسيٌّ:
حقَّق (منطِق الطير) للشاعرِ الصُّوفيِّ الفارسي فَريد الدِّين العطَّار.
3- دي كورتاي (ت: 1889م) مُستشْرِقٌ فَرنسيٌّ:
حقَّق كِتابَ (تذكرة الأولياء) لِفَريد الدِّين العطَّار.
4- مورنيو (ت: 1892م) مُستشْرِقٌ إيطاليٌّ:
كتَبَ في التَّصوُّف العربيِّ والهِنْدي.
5- دي مينار (ت: 1908م) مُستشْرِقٌ فَرنسيٌّ:
تَرجَمَ كِتاب (المنقِذ من الضَّلال) للغزاليِّ.
6- جولد تسيهر (ت: 1921م) مُستشْرِقٌ يَهوديٌّ مَجَريٌّ:
كتَبَ عن الحَلَّاج مادحًا له، وشارحًا طريقتَه.
7- هيار (ت: 1927م) مُستشْرِقٌ فَرنسيٌّ:
اهتمَّ بالطريقةِ البِكتاشيةِ والمولويةِ، وتَرجَمَ شِعرَ التِّلمسانيِّ.
8- كارلو نلينو (ت: 1938م) مُستشْرِقٌ إيطاليٌّ:
حقَّق كتاب (الفلسفة الإشْراقية) لابن سِينا، وحقَّقَ شِعرَ ابنِ الفارض.
9- مرجليوث (ت: 1940م) مُستشْرِقٌ إنجليزيٌّ:
ألَّف في سِيرة عبدِ القادِرِ الجِيلانيِّ.
10- ماسينيون (ت: 1962م):
مِن أكبَرِ المُستشْرِقين الفَرنسيينَ المهتمِّين بالحَلَّاج
ونشْرِ فِكْرِه، وهو أوَّلُ مَن نشَرَ كِتابَ (الدِّيوان) و(الطَّواسين) للحَلَّاج، وسيأتي الحَديثُ عنهما.
11- آرثر أربري (ت: 1969م) مُستشْرِقٌ إنجليزيٌّ:
حقَّق كِتابَ (التعرُّف لمذهَبِ أهل التَّصوُّف) لِلْكَلاباذيِّ.
وأكثرُ هؤلاء الذين اهتمَّ المُستشْرِقون بنَشْرِ كُتبِهم هم مِن غُلاةِ الصُّوفيَّةِ
أهلِ وَحدةِ الوُجودِ والاتِّحادِ والحُلولِ، الذين حَكَم عُلماءُ المسلمينَ
بكُفرِهم وزَندقتِهم كما سيأتي؛ فلماذا كلُّ هذا الاهتمامِ بهم؟!
أمَّا الحَلَّاجُ فهو أكثَرُ مَن اهتَمُّوا به وبتَحقيقِ كُتبِه ونشْرِها في أوساطِ المسلِمين،
وللأسفِ اغتَرَّ بهذا كثيرٌ ممَّن يَعُدُّ نفْسَه -ويعُدُّه البعضُ- مِن المثقَّفين والمتنوِّرينَ!
فمَن هو الحَلَّاج؟ ومتى عاش؟ وما عَقيدتُه؟ وماذا قال عنه عُلماءُ المسلمينَ؟
هذا ما ستَجِدُ الإجابةَ عنه في هذه المقالةِ المختصَرةِ.
-------------------------
(([1] من كتاب: ((عندما يكون العم سام ناسكًا)) لصالح حساب الغامدي (ص: 120-124) بتصرف.
تابع ...