هل يصح حديث (لن يغلب عسر يسرين) ؟
137151
السؤال
في قوله تعالى : ( إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) قال الرسول صلى الله عليه وسلم
- بما معناه- : ( اصبروا فلا يهزم عسر يسرين )، هل هذا الحديث صحيح ؟
وإن كان ، فما هو نص الحديث الصحيح ؟
نص الجواب
الحمد لله
أولا :
ورد هذا الحديث من طريقين عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
ـ فيما نعلم ـ وكلاهما ضعيف .
الأول : من مراسيل الحسن البصري ، ومراسيله
ـ كما هو معلوم ـ ضعيفة ، بل من أضعف المراسيل .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
"ضعيف : أخرجه الحاكم (2/ 528) عن إسحاق بن إبراهيم الصنعاني :
أنبأ عبد الرزاق : أنبأ معمر ، عن أيوب ، عن الحسن :
في قول الله عز وجل : (إن مع العسر يسراً) قال :
خرج النبي صلي الله عليه وسلم يوماً مسروراً فرحاً ،
وهو يضحك وهو يقول : (لن يغلب عسر يسرين)
وقال هو والذهبي : مرسل . فعلة الحديث الإرسال .
كذلك أخرجه ابن جرير في "التفسير" (30/ 151) من مرسل الحسن وقتادة ،
ولا يقوي أحدهما الآخر ؛ لاحتمال أن يكونا تلقياه من شيخ واحد ،
واحتمال أن يكون تابعياً مثلهما ، واحتمال أن يكون ضعيفاً أو مجهولاً ،
وهو السبب في عدم الاحتجاج بالحديث المرسل وجعلهم إياه
من أقسام الحديث الضعيف ، كما هو مقرر في علم المصطلح "
انتهى باختصار.
"السلسلة الضعيفة" (4342) .
الثاني : من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما .
رواه ابن مردويه – كما عزاه إليه الزيلعي في " تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف " (4/236) – قال :
" فيه مرفوع آخر رواه ابن مردويه في تفسيره فقال :
حدثنا أحمد بن محمد بن السري ، ثنا المنذر بن محمد بن المنذر ، ثني أبي ، ثنا يحيى بن محمد بن هانئ ، عن محمد بن إسحاق ، ثني الحسن بن عطية العوفي ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله قال :
( لما نزلت : ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا )
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابشروا لن يغلب عسر يسرين ) " انتهى.
وهذا إسناد ضعيف بسبب الحسن بن عطية العوفي ،
فقد اتفق أهل العلم على تضعيفه . انظر: "تهذيب التهذيب" (2/294) ،
ولذلك ضعف الحافظ ابن حجر حديث جابر هذا في "فتح الباري" (8/712) .
ثانيا :
ثبت هذا من كلام بعض الصحابة رضوان الله عليهم ، أصحها ما رواه الحاكم
في "المستدرك" (2/329) بسند صحيح ، قال فيه الحاكم : صحيح على شرط مسلم .
ووافقه الذهبي في "التلخيص" ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
(أنه بلغه أن أبا عبيدة حصر بالشام ، وقد تألب عليه القوم ، فكتب إليه عمر : سلام عليك ، أما بعد : فإنه ما ينزل بعبد مؤمن من منزلة شدة إلا يجعل الله له بعدها فرجا ، ولن يغلب عسر يسرين ،
و ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون )
قال : فكتب إليه أبو عبيدة : سلام عليك .
وأما بعد : فإن الله يقول في كتابه :
( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد ) إلى آخرها .
قال : فخرج عمر بكتابه فقعد على المنبر فقرأ على أهل المدينة ثم قال :
يا أهل المدينة ! إنما يعرض بكم أبو عبيدة أن ارغبوا في الجهاد ) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" قوله تعالى : ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً )
فالعسر - وإن تكرر مرتين - فتكرر بلفظ المعرفة ، فهو واحد ، واليسر تكرر بلفظ النكرة ،
فهو يسران ، فالعسر محفوف بيسرين ، يسر قبله ، ويسر بعده ، فلن يغلب عسر يسرين "
انتهى.
" بدائع الفوائد " (2/155) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" قال تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)
قال ابن عباس عند هذه الآية : (لن يغلب عسر يسرين)
قال أهل البلاغة : توجيه كلامه : أن العسر لم يذكر إلا مرة واحدة ، ( فإن مع العسر يسراً ) ، ( إن مع العسر يسرا ) العسر الأول أعيد في الثانية بأل ،
فأل هنا للعهد الذكري ، وأما اليسر فإنه لم يأت معرفاً بل جاء منكراً ،
والقاعدة :
أنه إذا كرر الاسم مرتين بصيغة التنكير أن الثانية غير الأول إلا ما ندر ،
والعكس إذا كرر الاسم مرتين وهو معرف فالثاني هو الأول إلا ما ندر ،
إذاً : في الآيتين الكريمتين يسران ، وفيهما عسر واحد ؛
لأن العسر كرر مرتين بصيغة التعريف .
( فإن مع العسر يسرا ) هذا الكلام خبر من الله عز وجل ، وخبره أكمل الأخبار صدقاً ،
ووعده لا يخلف ، فكلما تعسر عليك الأمر فنتظر التيسير " انتهى باختصار.
" لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم/80)
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا ، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)
رواه أحمد (5/19) طبعة مؤسسة الرسالة وصححه المحققون ،
وقال ابن رجب : حسن جيد . " جامع العلوم والحكم " (1/459) .
فينبغي للعبد أن يحسن ظنه بالله ، وأن يقوى يقينه بفرج من عنده سبحانه ،
فهو عز وجل عند حسن ظن عبده به ، وأن يبذل أسباب الفرج من الصبر والتقوى وحمد الله على كل حال ،
قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا .
ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا )
الطلاق/4- 5 .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
" ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب ، واليسر بالعسر :
أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى وحصل للعبد اليأس من كشفه من جهة المخلوقين ،
وتعلق قلبه بالله وحده ، وهذا هو حقيقة التوكل على الله ،
وهو من أعظم الأسباب التي تطلب بها الحوائج -
فإن الله يكفي مَن توكل عليه ، كما قال تعالى :
( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) " انتهى.
" جامع العلوم والحكم " (ص/197) .
والله أعلم .
المصدر: الإسلام سؤال وجواب