الحمد لله صاحب السلطانِ، المهيمنِ على الإنس والجان، بيده الأمر والملكوت
وهو الحي الذي لا يموت، سلطانه على كل شيء، لم يجعل لأحد على مؤمن سبيلًا
خلَق الناس أحرارًا، فأبى أصحاب الأهواء إلا أن يتسلَّطوا على الناس
فاستجاب لهم سفهاءُ القوم ممن لم يعرفوا لله قدرًا، ولم تهتدِ إليه عقولهم، فلم تأنسْ به قلوبهم
فظَنُّوا أن أحدًا غير الله سبحانه يملك لهم ضرًّا أو نفعًا، أو أن أحدًا يملك الوساطة
بين العبد وربِّه؛ فسجدوا لهم وركعوا؛ فسلَّطهم الله عليهم فاستعبَدوهم
والحقيقة أن أهل السنة عرفوا الحقيقةَ جليَّةً في أن علاقة العباد بعضهم ببعض
هي النصح والإرشاد، وتعريف الناس بربِّهم دون وسيط، وأن كلَّ عبد يستطيع أن يَصِل
عند الله أعلى المنازل دون واسطة، ولو أراد أهل السنة الدنيا لعلَّقوا الناس
بهم كما يفعل المبتدعة من أهل الدنيا بالناس.
اعلم أخي في الله: أن أَولى الناس بالرقية لك ولأهل بيتك هو أنت
وأنه عندك ما عند أيِّ معالج، بل عندما يتعلَّق الأمر بك، فأنت أفضل منه
لأن علاج القرآن لا يعتمد إلا على صدق اللجوء إلى الله، والإخلاص له
مع صدق الضرورة، وإظهار الحاجة إليه، وأن الله البَر الرحيم
يستجيب للكفار عند إخلاصهم في دعائهم: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ
وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62]
فكيف بأهل الإيمان إن صدَقوا وأخلَصوا، وسمعوا وأطاعوا، وقدَّموا لله وتقرَّبوا، وبعدوا عن غضبِه
واتبَعوا سنة نبيِّهم، ويجب على المريض أن يسمع ويطيع لمن يطلب منه الشفاء فلا يقدم عليه
ويبعد عن مخالفته، خاصة في استعمال التلفزيون، فلا يترك القنوات التي تعرض المحرَّمات
وإن كانت صغيرةً بأي حُجة، كما يجب أن يبتعدَ عن التدخين استجابةً لله عز وجل.
واعلم - أخي الحبيب - أنك صاحب الحاجة؛ فأنت أقدر على معالجة نفسك وأهل بيتك
خاصة إذا علمتَ أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرقي العبد نفسَه وأهل بيته
ولا يملك أحدٌ لأحد أكثر من الدعاء، وعلى الله القبولُ، وهذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عندما دعا للمرأة المصروعة بألا تتكشَّف، وغيرها، وأن ما أحدثه الناس من أمور المعالجين
والتعلُّق بهم ليس من السُّنة في شيء، والذي يحرص على مرضات الله يرشدُ الناس إلى السُّنة
ويعلِّقهم بربهم لا سواه، وإن كان سواه الأنبياء والمرسلين، مع الحفاظ على منازلهم
أنهم أفضلُ الخلق، والصادقون المبلِّغون عن الحق، ولكن هذه هي دعوتهم أنفسهم
صلوات ربي عليهم وتسليماته ورحمته وبركاته.
وأيضًا في علاج الشخص لنفسه وأهل بيته السِّترُ وحفظ العَوْرات، ومع الافتقار إلى الله
والصدق معه، واليقين في قدرته، وتسليم الأمر له سبحانه، والرضا بقضائه وقدره
وعدم الاشتراط عليه - يأتي الإحساس بالرضا من الله، واللطف والسكينة
فليس السعادةُ مع الله في الشفاء فقط، فإن المرأة المصروعة أرشدها رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى الصبر، ولم يدعُ لها بالشفاء وهو صاحب الدعوة المستجابة؛ ليعلِّم الأمة كلَّها أن الخير
في اختيار الرب الجوَاد الكريم الذي يعرف ما يصلح العباد، وأن الصبر والتسليم، والرضا
والقَبول، هو الأصلح للعبد في عَلاقته بربه سبحانه وتعالى، وفَّقنا الله وإياكم لكل خير، وجنَّبَنا كلَّ شر.