الــتــمــيـــز
غاية كُـل فرد :
إنه ما من أحد إلا لديه عيوب فتلك سنة الله في خلقه
وإنه لم ير في عيوب الناس عيب كنقص القادرين على التمام
وإهمال الجديرين بالتميز
الــتــمــيـــز
غاية ينشُدُها كُل مجتمع واع
وكُل فرد هميم
وهو مقصد ظاهر من المقاصد التي أصلها الإسلام وأكد عليها
:
ان العبرة في الأشياء بكيفها وتميزها
لا بكمها وهبائها
قال تعالى (- لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا -)
ولم يقل أكثر عملا > لأن العبرة بالحقيقة لا بــ الشكل
:
الــتــمــيـــز ليس تكلفاً ولا حمل ما لا تطيقه النفس
إنما الــتــمــيـــز شحذ همة وبذل جهد لنفس تملك مقومات التميز
ولديها من الهمة على بلوغ درجته ما تجعل صاحبها
يبذل الغالي والنفيس من أجل تحقيق تلكم الغاية
وإنه ما من أحد من الناس إلا لديه مكمن من مكامن الــتــمــيـــز
غير أنهم يتفاوتون في كشفه والغفلة عنه
وما يتاح أمامهم من محاضن لرعاية الموهوبين
وما يكون من مبدأ الثواب للمتميز
فــــ كما أن العقاب ملجم للمرء عما يقبح به
فـــ كذلك الثواب خير حافز لشحذ همة الــتــمــيـــز أمامه
وما ميز الله الإنسان بالعقل السليم والجسم الصحيح
إلا ليذكي من خلالهما خصلة الــتــمــيـــز الكامنة
والناس ليسوا على حد سواء في :
المستوى الذهني ولا البدني ولا المعيشي
لكنهم مع تفاوتهم هذا يمكن لكل أحد منهم أن يتميز بما أتاح الله له
:
:
إن الــتــمــيـــز في الحقيقة ليس قيمة مطلقة لا تدخلها النسبية
فليس ثمة تميز مطلق بل لكل تميزه اللائق به
وليس من وصفه الكمال التام
وما لا يدرك كله لا يترك كله
ووصول الــتــمــيـــز ولو متأخرا خير له من ألا يصل أبدا
وإن لم يستطع أن يكون في المقدمة
فــــ ليحرص على ألا يكون في المؤخرة
فــــ لربما كان تميزه في عدم الفشل حين يكثر الفاشلون
كما أن عدم تميزه يعد فشلاً حين يكثر المتميزون
ولا يدخل الــتــعــثــر في مثل ذلكم
لأن الــتــعــثــر عتبة من عتبات الــتــمــيــز
التي لا يتم الوصول إليه إلا من خلالها
وليس العيب في مجرد العـثـار
إنما العيب في تكرر العـثـار بنفس الطريقة
حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:
لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين
غير أنه ينبغي للمرء أن يعلي همته ولا يضع سقفا لتميزه
لأن الهمة العالية إذا غامرت في شرف مروم
فإنها لا تقنع بما دون النجوم
:
:
إن الــتــمــيـــز في حقيقته
بذل موجود وليس تكلف مفقود
وكُل امرئ أعرف بالمجالات التي يجدر به الــتــمــيـــز فيها
والمجالات التي ليست من بابته ولا هو منها
والنبي صلى الله عليه وسلم ..كان يبدي هذا المعنى لصحابته
لما يلمسه من همة كل أحد منهم
فإنه لما جاءه رجل وشكى حاله قائلا:
يا رسول الله .! إن شعائر الإسلام قد كثرت عليَّ
فأخبرني بأمر أتشبَّثُ به
قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله
:
:
إن الضعيف لا يبلغ بالإدارة مبلغ الــتــمــيـــز
لأنها تفتقر إلى قوة تقف أمام التحديات
وتحسن التصرف في تذليل العقبات
فإن
التميز الإداري ليس بالتمني ولا بجمال الفكرة المطروحة
إنما
التميز في الفكرة المنطلقة من إمكان تحقيقها في الواقع بقوة حاملها
وفــــاقــــد الـــشــــيء لا يـُــعــطــــيــــه
والمرء العاقل لا يعسف نفسه على ما ينافي طبعه وميوله
التي يجيدها ويتقنها لأنه سيقصر فيها
أكثر مما يحسن في الوقت الذي لا يقبل منه إلا الإتقان
وفــي الأثــــر:
إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يُـتـقـنـه
فإن الإتقان من التميز
وبـــ
التميز يكون التقدم
ومن المسلمات أن لا حضارة دون تميز
فــــ الــتــمــيـــز هو أقنوم الاختراعات الرئيس
فإن أسلافنا لم يبلغوا شأوا عاليا إلا بـــ الــتــمــيـــز
الذي أثروا به جميع العلوم في أزمنتهم
حتى كان غيرهم عالة عليهم
فلهم قصب السبق في الحكم والتشريع
والإدارة والطب والفيزياء
وغير ذلكم من العلوم والمعارف والصناعات
التي أفادوا منها عموم البشرية أيما إفادة
وكان من أهم مرتكزات
التميز عندهم آنذاك مراعاة التخصص
لأن تجاوز التخصص يوقع في الزلل والميل عن الجادة،
كما قال ابن حجر: من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب
والتخصص دون ريب يزيد في المهارة المؤدية إلى الإتقان والاكتشاف والاختراع
ويحد من الفوضى المنبثقة عن تنازع الاختصاص أو تدافعه
سيما إذا كان تنازع تضاد لا تنازع تنوع
:
:
أنه مهما كان المرء متميزا متقنا
فإن الكمال لله وحده والعصمة لنبيه صلى الله عليه وسلم
إنما القصد في
التميز هو التسديد والمقاربة
وقطف ثمرته ما دامت ناضجة قبل أن تذبل
والتشرف برفع راية الأمة أمام الأمم
فإن الأمة بأفرادها الذين يمثلون مجموعها
وبما يحملونه من طاقات الــتــمــيـــز التي ينبغي
ألا تذهب هدرا دونما استباق
كما ينبغي أن يعلم بأن الــتــمــيـــزلا يعني التكلف والتصنع المذموم
فمن العقل أن يعرف المرء قــدره
وأن يكون كــــــ حاله التي خلقه الله عليها
وأن يراه الناس كما يعرفون عنه لا يتصنعه لهم
:
:
إن الــتــمــيـــز هو عمل المرء نفسه بهمته وكدحه ويده
ولــيـــس بـــ الــصــعـــود عــلـــى ..
أكتاف الآخرين وسرقة تميزهم وإتقانهم ونسبته إليه
أو الاســتـئـثــار بقصب سبقه دون غيره
في حين وجود شركاء معه في بلوغ هذا الــتــمــيـــز
فإن مثل ذلكم كله يعد تزويراً بغيضا
وتدثراُ بلباس زور نعوذ وإياكم بالله منه
:
الشيخ الدكتور / سعود الشريم