رمضان والتمسك بآدابه من المعارك الدقيقة
مع النفس وهواها وشهواتها ، فالصوم يمنع الشهوات،
والقيام يمنع الضياع، والتلاوة تمنع اللغو والنوم،
والصدقات تمنع البخل واللؤم.
• وعليه تتحق السعادة، فإن ذلك مفتاح الحياة الطيبة،
وسبيل ومنال الفوز الأخروي وقال الغزاليّ- رحمه الله-:
( قد اتّفق العلماء على أن لا طريق إلى سعادة الآخرة،
إلّا بنهي النّفس عن الهوى ومخالفة الشّهوات.
فالإيمان بهذا واجب ).
• وفي الصوم صبر وتحمل، وجهاد وتعلق، وسراع وتأمل،
ومن لم يُطِق ذلك لم يحقق الصوم الحقيقي، ولا أصاب ثمراته ومحاسنه.
• ولما كان الشبع سببا لانتشار الشيطان وتسلطه على بني آدم
كما قال ( يجري من ابن آدم مجرى الدم ) شُرع الصيام دواءً لذلك،
فكان في جوع الإنسان تضييقا على الشيطان، وحدا لمسالكه .
• ولذلك قيود رمضان والصيام تربي وتهذّب وتصقل،
وتعدّ الإنسان لمعارك شديدة في هذه الحياة، من أجلها
معارك هوى النفس ( فلا تتبعِ الهوى فيضلَك عن سبيل الله ) سورة ص.
• وفي الحديث الصحيح قال: ( وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ
، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذنُوبَ ) وتشتعل معركة المجاهدة
في رمضان حتى تثمر القوة، ويهجر الصائم مباحات، ويتباعد
عن معصيات حتى يبلغ درجة التقوى العظمى، ومنزلة المراقبة الكبرى
( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم ) سورة النساء .
• ومن هذا السبيل ينتصر الصائم على نفسه، ويحملها
على طاعة الله ويعلمها الصيام النزيه والقيام الراسخ، وجلسة
الذكر البهية .( وجاهدوا في الله حق جهاده ) سورة الحج.
• وينتصر حينما تعرض له شهوات مباحة فيتركها انصياعا لله،
وتوقيرا لدينه ( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام
لي وأنا أَجزي به ). والمجاهدة هنا من أشرف مقامات العمل،
لما تؤول إليه من التهذيب والصقل والتدريب ، قال الحسن
رحمه الله : ( ما الدّابّة الجموح بأحوجَ إلى اللّجام الشّديد من نفسك) .
• وينتصر الصائم على النوم والكسل بالقيام سريعا للصلوات،
وهجرا للراحة والاسترخاء .
• وينتصر عليها بتغيير عاداتها الاجتماعية السيئة، وأعرافها
الغذائية المتعبة ، فيدخل في ترتيب جديد يحمله لو اتعظ
على تغيير كل السلبيات الضارة .
• ويشعرك الصيام بتركيب سياج معنوي لا يكاد أن يرى من جراء
الصيام المخبت النزيه ومصداق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم
في الصحيحين ( الصوم جُنة ) أي وقاية، وفي المسند
( يَستجنّ بها العبد من النار ) ولن يكون جُنةً في الآخرة،
حتى يكون جنة في الدنيا يؤثر ما عند الله على المتاعِ
الزائف والشهوة الزائلة ..!
• وفي حديث مشهور( حُفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات )
والصيام هنا تطبيق عملي لهذا الحديث، بما فيه من التزام
شرعي وانضباط أخلاقي .
• فمن صام بإحسان، وأقبل على الذكر والقرآن، وكف
اللغو واللسان، فقد خطا خطوات الانتصار، وصعِد
إلى مراكب العلا والإنجاز .
• وفي هزيمة النفس هزيمة للهوى وقهر للشيطان ،
لا سيما وشروط الهزيمة متاحة من خلال تضاعف الرحمات
وتصفيد الشياطين وإيبلاسهم إبلاسا شديدا وفي الحديث
( وصُفدت مردة الجن والشياطين ).
• وخلائق الصوم العجيب كثيرةٌ/فلا تنتهي تقوى وقد
عظُم الصبرُ.... وفيه جهادٌ للنفوس ومتعةٌ/ وفيه
تراتيلٌ وما نقص الأجرُ...!
• قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى: (جهاد النّفس
على أربع مراتب: الأولى: مجاهدتها على تعلّم الهدى ودين الحقّ.
الثّانية: مجاهدتها على العمل به(أي بالهدى ودين الحقّ)
بعد علمه. الثّالثة: مجاهدتها على الدّعوة إلى الحقّ . والرّابعة:
مجاهدتها على الصّبر على مشاقّ الدّعوة إلى الله،
وأذى الخلق، ويتحمّل ذلك كلّه لله.
• وهذه المراتب تكاد تجتمع في رمضان لكثير من الصائمين
فيحملون نفوسهم على تعلم الصيام وأحكامه والتباعد
عن الشهوات جهادا وصبرا، ونشر هذا الخير بآدابه وأخلاقه،
واحتساب ما يواجه من أذى وكلمات في سبيل إيصال
هذا النور للناس، وقال تعالى ( إنما يوفى الصابرون
أجرهم بغير حساب ) سورة الزمر .