أنَّ كلَّ ما تبذله للناس من الشر يأتيك من الشر مثلُه
وكلَّ ما تبذله للناس من الخير يزيدك الله منه.
فإن بذلت لهم ما يسوؤهم وجدتَ ما يسوؤك، وإن بذلت لهم
ما يسرُّهم وجدتَ مما يسرك أضعاف ما بذلته.
حتى إنّك إن تتق الله فيمن تحتك هابك - بأمر الله - من هو فوقك
وإن تتجبر على من دونك سلَّط الله عليك جبَّارًا يُذِلُّك.
وإن تبر والديك برك أبناؤك، وإن عققت والديك عقك أولادك.
وإن دعوت لأخيك بالخير قيل: « وَلك مِثلُ ذلك».
وإن حسدته احترقت بحسدك. وإن تبذل من المال زادك الله منه
وإن تبذل من العلم زادك الله منه، فإن بخلت بهما مُحِقَتْ بركتُهما...
وهكذا، فـ «الجزاء من جنس العمل».
وهي قاعدة شرعية جامعة دل عليها كثير من نصوص الكتاب والسنة
وأجمع آية فيها قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].
قال العلامة السعدي - رحمه الله -: «فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره
ومن يعمل مثقال ذرةٍ شرًّا يره، وهذا شامل عام للخير والشر كله
لأنه إذا رأى مثقال الذرة، التي هي أحقر الأشياء، وجوزي عليها فما فوق
ذلك من باب أولى وأحرى، كما قال تعالى:
﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ
لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30]
وهذا فيه الترغيب في فعل الخير ولو قليلا والترهيب من فعل الشر ولو حقيرا».
وقال العلامة ابن باز - رحمه الله -:
«هاتان الآيتان الكريمتان على ظاهرهما، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم:
«الآية الفاذة الجامعة»، يعني أنها جمعت الخير والشر، ففيها الترغيب والترهيب
والحث على الخير والتحذير من الشر ».
وفي جامع الترمذي ومسند أحمد، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « أتاني اللَّيلةَ ربِّي تبارَكَ وتعالى في أحسَنِ صورةٍ
قالَ أحسبُهُ قال في المَنامِ فقالَ: يا محمَّدُ هل تدري فيمَ يختصمُ الملأُ الأعلى؟
قالَ: قلتُ: لا، قالَ: فوَضعَ يدَهُ بينَ كتفيَّ حتّى وجَدتُ بَردَها بينَ ثدييَّ أو قالَ:
في نحري، فعَلِمْتُ ما في السَّماواتِ وما في الأرضِ، قالَ: يا مُحمَّدُ
هل تدري فيمَ يختصمُ الملأُ الأعلى؟ قلتُ: نعَم، في الكفّاراتِ، والكفّاراتُ المُكْثُ في المسجدِ بعدَ الصَّلاةِ
والمَشيُ على الأقدامِ إلى الجماعاتِ، وإسباغُ الوضوءِ في المَكارِهِ، ومن فَعلَ ذلِكَ عاشَ بخيرٍ
وماتَ بخيرٍ، وَكانَ مِن خطيئتِهِ كيومِ ولدتهُ أمُّهُ، وقالَ: يا محمَّدُ، إذا صلَّيتَ فقل:
اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ فِعلَ الخيراتِ، وتركَ المنكراتِ، وحُبَّ المساكينِ، وإذا أردتَ
بعبادِكَ فتنةً فاقبِضني إليكَ غيرَ مَفتونٍ».
والحمد لله رب العالمين.
مالك بن محمد بن أحمد أبو دية