من روائع البر في الحج
بر الوالدين من أجلِّ العبادات، بل حقهما أعظم حق بعد حقوق الله سبحانه، والدليل قوله سبحانه: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الإسراء: 23].
في الحج تتجلى صور عظيمة من البر وآثاره الطيبة، ومنها الموقفان التاليان:
الموقف الأول: حدثني حاج أنه وجد أمه تشاهد الحجاج في يوم عرفة بالتلفاز، وتبكي لأنها ليست معهم، فقال لها: يا أمي، إن شاء الله أعيد عليك العام القادم في مِنى (يعني في الحج).
وفي هذه السنة وجدت الحملات الممتازة والقريبة من الجمرات مرتفعة التكلفة، وقال لي أحد إخواني: لو تريثتَ عامًا لعل التكلفة تنخفض، فقلت: لا يمكن أبدًا، فقد وعدتُ أمي ولن أُخلف وعدي لها مهما كلَّفني، فحجزتُ لي ولأمي مقعدًا مع حملة تكلفة الحاج فيها بأربعة عشر ألف ريال، وبعد أسبوعين حدث أمر عجيب، قلت له ما هو؟ قال: فوجئتُ بزيادة في راتبي بمبلغ٢٥٠٠ ريال شهريًّا من قبل الشركة التي أعمل فيها، وهذا المبلغ مجموعه في سنة واحدة يغطي تكلفة الحج التي دفعتُها!
بقي أن تعلم أن هذا المبلغ الذي دفعه تكلفة للحج كان قد جمعه كجزء من مهر لزواجه!؟
الموقف الثاني: كنتُ في سنة سابقة أتجوَّل بعربة التوعية الإسلامية بين صالات الحجاج في مطار الملك عبدالعزيز بجدة، فإذا بي أجد شابًّا جزائريًّا يصرخ مذهولًا قائلًا: فقدتُ أمي، أين أمي؟
فقلتُ له: هيَّا اركَب معي نبحث عنها، وبعد مدة أبصرها من بعيد تمشي مع أحد مرشدي الحجاج، فقال فرحًا: هي، هي، فلما وصلناها، نادى عليها، فالتفتتْ وارتفعت أصواتهما هو يجادلها في ضياعها، وهي تدافع عن نفسها، فلم أتمالك نفسي وبدأت أوجِّهه وأذكِّره بعظيم حق أمه عليه، وضرورة كظْم غيظه وخفْض صوته معها، فماذا حصل بعد ذلك؟ كنتُ أتوقَّع كما توقَّعتم أن يقبِّل رأس أمه معتذرًا، ولعله كان يريد ذلك، ولكني فوجئت بموقف آخر أدهشني وأدهش ابنها وعقد لساننا عن الحديث بعده، فما هو؟ قفزتِ الأم الحنون العجوز من كرسيها الخلفي بالعربة، وقبَّلت رأس ابنها، وقالت: هذا ابني حج بي، وفعل، وفعل، تعدِّد محاسنه معها، ففهمت أن المقصود هو الدفاع عنه، وتوجيهي بالصمت عن لومه، فقلت:يمنع
ما أروع قلب هذه الأم! وما أحناه على ولدها! رَزقني الله وإياكم برَّ والدينا أحياءً وأمواتًا