من عَجائبِ ما رَأى الرسولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ في الإسراءِ والمعراج
فقَدْ قالَ اللهُ تباركَ وتعالى:﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَاتِنَا
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ (سورة الإسراء/1).
السَّبْحُ في اللغة معناه التباعد. ومعنى سبحان الله تنـزه الله عن مشابهة
الخلق بأي وجه من الوجوه. والإسراء هو السير بالليل، فالإسراء
والمعراج حصلا في جزء من ليلة واحدة، والمسجد الحرام سمي بذلك لحرمتهِ
وللأحكام
الخاصة به منها: مضاعفة أجر الصلاة فيه أضعافًا كثيرة، ووجوده في مكة
أفضل بقاع الأرض، وتحريم صيد البرّ في الحرم. والمسجد الأقصى
سمي بذلك لبعده عن المسجد الحرام، وكلاهما بناهما ءادم عليه السلام،
بنى الكعبة ثم بالصلاة التي يسجد فيها المسلم لله. وقوله
تعالى:{بَارَكْنَا حَوْلَهُ} معناه أنّ أرض الشام أرض مباركة، فقد ثبت
في الصحيح صحيح البخاري أن الرسول قال: "اللهم بارك
لنا في شامنا ويمننا" قالوا: وفي نجدنا يا رسول الله؟ قال: "هناك الزلازل
والفتن
هناك يطلع قرن الشيطان". فأرض الشام مباركة وفلسطين التي فيها
المسجد الأقصى
من الشام.
والله تباركَ وتعالى بعث الأنبياءَ رحمةً للعبادِ، إذْ ليسَ في العَقْلِ ما يُسْتَغْنى
به عنهم، لأن العَقْلَ لا يستِقلُّ بمعرفةِ الأشياءِ المنجيةِ في الآخرةِ، فالله
تعالى مُتَفَضّلٌ بها على عبادِهِ. وقد أيدَ الله تباركَ وتعالى الأنبياءَ بمعجزاتٍ
لتكونَ دليلا على صدقهم. والمعجزةُ أمرٌ خارقٌ للعادةِ يَظْهَرُ على يدِ مُدَّعِي
النبوةِ، موافقٌ للدعوةِ، سالمٌ من المعارضةِ بالمثلِ، وكان أعظمَ
الأنبياءِ معجزاتٍ، فقدْ نَقَلَ ابنُ أبي حاتمٍ في كتابِ مناقبِ الشافعيّ عن أبيهِ
عن عمَرَ بنِ سواد عن الشافعي قال: " ما أعطى الله
شيئًا ما أعطى محمدًا فقلتُ أعطى عيسى إحياءَ الموتى
قالَ: أُعْطِيَ محمدٌ حنينَ الجذْعِ حتى سُمِعَ صوتُه فهذا أكبرُ مِنْ ذلكَ ".
الإسراء
معجزةُ الإسراءِ ثابتةٌ بنصّ القرءانِ والحديثِ الصحيحِ، فيجبُ الإيمانُ
بأنّ الله أسرى بالنبيّ ليلا منْ مكةَ المكرمةِ إلى
المسجدِ الأقصى. وقدْ أجمَع أهلُ الحقِ من سَلَفٍ وخَلَفٍ ومحدثينَ ومتكلمينَ
ومفسرينَ وفقهاءَ
على أنّ الإسراءَ كان بالجَسَدِ والروحِ وفي اليقظةِ، وهذا هو الحقُّ، وهو
قولُ ابنِ عباسٍ وجابرٍ وأنَسٍ وعمرَ وحذيفةَ وغيرِهِمْ منَ الصحابةِ
وقولُ الإمامِ أحمدَ وغيرِهِ مِنَ الأئمةِ وقولُ الطبريّ وغيرهِ، فلا خلافَ
إذًا في الإسراءِ به إذ فيه نصٌّ قرءانيٌّ، فلذلك قالَ العلماءُ: "إنَّ
مَنْ أنكَرَ الإسراءَ فقدْ كذَّبَ القرءانَ ومَنْ كَذَّبَ القرءانَ فقد كَفَرَ".
وروى البيهقيُّ عنْ شدّادِ بنِ أوسٍ قال: قلنا يا رسولَ الله كيف أُسريَ
بِكَ؟ قال: "صلَّيْتُ لأصحابي صلاةَ العَتَمَةِ بمكة مُعْتِمًا، وأتاني جبريلُ
عليهِ السلامُ بدابّةٍ بيضاءَ فوقَ الحمارِ ودونَ البغلِ، فقال: اركبْ فاسْتَصْعَبَتْ
عليَّ، فَدَارَها بِأُذُنِها ثم حَمَلني عليها، فانْطَلَقَتْ تهوي بنا يَقَعُ حافرُها
حيثُ أدركَ طرفُها حتى بلغْنا أرضًا ذاتَ نَخْلٍ فأنزلني
فقالَ: صَلّ. فصليتُ، ثم ركِبْنا فقالَ: أتدري أينَ
صلَّيتَ؟ قلتُ: الله أعلمُ قالَ: صليتَ بيثربَ، صليتَ
بطَيبةَ، فانطلقتْ تهوي بنا يقعُ حافرُها حيثُ أدركَ طَرْفها، ثم بلغنا
أرضًا فقال: انزِلْ فنـزلتُ ثم قال: صلّ. فصليتُ ثم ركبنا فقالَ: أتدري
أينَ صليتَ؟ صليتَ بطورِ سيناءَ حيثُ كلّمَ الله عزَّ وجلَّ موسى
عليهِ السلامُ، ثم انطلقتْ
تهوي بنا يقعُ حافرُها حيث أدركَ طرْفُها، ثم بلغْنَا أرضًا بدتْ
لنا قُصورٌ، فقالَ: انزِلْ. فنـزلتُ فقالَ: صلّ. فصليتُ ثم ركِبنا قالَ: أتدري
أينَ صليتَ. قلتُ: الله أعلمُ، قالَ: صليتَ ببيتِ لَحمٍ حيثُ ولدَ
عيسى عليهِ السلامُ المسيحُ ابنُ مريَم، ثم انطلقَ بي حتى دَخَلْنا المدينة
من بابِها اليمانيّ
فأتى قِبْلَةَ المسجِدِ فرَبَطَ بِهِ دابّتَهُ ودخلْنا المسجدَ مِنْ بابٍ فيه
تميلُ الشمسُ والقمرُ فصليتُ مِنَ المسجدِ حيثُ شاءَ الله".
وكانَ قد شُقَّ صَدرُ النبيّ قبلَ أن يُسْرَى بهِ ليلا منْ بيتِ
أم هانئ منْ مكةَ المكرمةِ منَ المسجدِ الحرامِ.
قالَ أنسُ بنُ مالكٍ كانَ أبو ذرٍ يحدّثُ أنَّ رسولَ الله قال: "
فُرِجَ سقفُ بيتي وأنا
بمكةَ فنـزلَ جبريلُ ففرَجَ صدري ثُمَّ غَسَلَهُ من ماء زمزم ثم جاءَ بِطَسْتٍ
مِنْ ذهبٍ ممتلئ حكمةً وإيمانًا فأَفْرَغَها في صدري ثم أطبقَهُ " رواه مسلمٌ.
وقَدْ جمعَ الله عزَّ وجلَّ لسيدنا محمدٍ جميعَ الأنبياءِ صلواتُ الله
وسلامُهُ عليهم في بيتِ المقدسِ مِنْ ءادمَ فمنْ بعدَهُ فصلَّى بهمْ
إمامًا. وهذا دليل
على أن الأنبياء لهم تصرف بإذن الله بعد موتهم وينفعون من شاء
الله أن ينتفع منهم فهم ليسوا كالناس العاديين فقد روى البزار والبيهقي
وغيرهما أن الرسول قال: "الأنبياء أحياءٌ في قبورهم يصلون".
وقالَ رسولُ الله في حديث الإسراءِ والمعراجِ: " ثُمَّ دخلتُ بيتَ المقدسِ
فجُمِعَ لِيَ الأنبياءُ عليهمُ السلامُ فَقَدَّمَنِي جبريلُ حتى أمَمْتُهُمْ ثم صُعِدَ
بيَ إلى السماءِ " رواه النسائي