عثمانيمنعالعبيدي
لايوجد عراقي يختلف في اعتباره رمزا لنبذ الطائفية والوحدة الوطنية في وقت كان العراق تحت احتلال احرق وسلب البلد وتفرقة طائفية وقومية واجتماعية تدفع به عجلة النظام السياسي الذي جاء بعد 2003 ليبدأ بتمزيق كل شئ.
هو عثمان العبيدي، الشاب البغدادي الشهم الذي وهب روحه لانقاذ ابناء بلده من الغرق في نهر دجلة عندما حصلت مأساة جسر الائمة في بغداد يوم الاربعاء 31 آب / اغسطس 2005.
ولد عثمان واسمه الكامل عثمان علي عبد الحافظيمنعالعبيدييمنعفي واحدة من البيوتات التي تتوسط ازقة منطقة السفينة في الاعظمية شمال بغداد عام 1986. من عائلة متوسطة الحال كان هو ابنها الوحيد اضافة الى شقيقتين.
كان عثمان العبيدي طالب في الخامس الاعدادي وكان ايضا يعمل في فرن للخبز والصمون في العام 2005. يوم الاربعاء المصادف 31 آب / اغسطس من تلك السنة صادفت الذكرى السنوية لاستشهاد الامام السابع موسى الكاظم في العام 799 (183ه) حيث شهدت بغداد مثل كل عام الالاف من الناس على شكل مجاميع يرتجلون ليعبروا جسر الائمة من منطقة الاعظمية الى منطقة الكاظمية لزيارة المرقد. تزاحم الزائرين على الجسر وخاصة لوجود نقطة تفتيش امنية عند نهاية الجسر قبل الدخول الى منطقة الكاظمية. تقول الرواية ان احد ما صرخ بان هناك انتحاري يلبس حزام ناسف بين الناس، وهناك قصة اخرى تذكر اكتشاف قنبلة وغيرها من القصص. النتيجة كانت هلع كبير وتدافع الناس بعضها فوق البعض لعبور الجسر بسرعة ومنهم من بدأ بالقفز من فوق الجسر المرتفع الى نهر دجلة العميق. هب ابناء الاعظمية لنجدة الزائرين ونادى خطيب جامع الامام ابو حنيفة النعمان عبر مكبرات الصوت يدعو الاهالي والشباب. كان عثمان العبيدي في بيتهم في تلك اللحظة وكان من الاوائل الذين هرعوا لتلبية النداء.
يذكر عم البطل عثمان العبيدي انه كان على جرف النهر يسحب الضحايا والمصابين وكان عثمان في وسط النهر يقوم بعمليات الانقاذ. استطاع عثمان انقاذ ستة اشخاص سقطوا في النهر، لكنه لم ينجح في انقاذ السابع ، وكانت امرأة – يقال ان العباءة التي كانت تلبسها المرأة التفت حولهما وهو يحاول انقاذها مما اعاق الحركة وغرقوا الاثنين معا. يقول عم الشهيد عن تلك اللحظة ” … لم ار سوى يد عثمان وهو يغرق مع الزائرة التي حاول انقاذها، وسارع اصدقاؤه الى نجدته لكنهم انتشلوه وقد فارق الحياة”.
محمد جمعة، وهو احد اصدقاء عثمان العبيدي قال انه كان في المحل الذي يملكه عندما جاءه والد عثمان يسأل عنه، “وبعد ساعتين جاء شخصان واخبرا والده بان عثمان نقل الى المستشفى لانه اصيب في عمليات الانقاذ ولم يخبراه بوفاته”.
راح ضحية المأساة اكثر من 1000 شهيد
بعد سماع خبر بطولة واستشهاد عثمان العبيدي شهد منزله توافد حشود كبيرة جدا من الناس ولايام متتالية وحتى منهم من جاء من اماكن بعيدة ليقدموا التعازي لاهله. اصبح الشاب رمز وحد العراقيين في زمن كانت ماكنة التفرقة تحاول ان تنهش في الجسم العراقي من كل صوب – ولم تنفع محاولات بعض النفوس المريضة في احدى الدول العربية عندما كتب حينها على احدى الصفحات وتسائل كيف لشاب من طائفة يقوم بانقاذ ناس من طائفة اخرى لجهله باصالة وشهامة العراقيين الذين كانوا متعايشيين بسلام لعقود وان العائلة العراقية الواحدة في افرادها تضم اكثر من طائفة وقومية ومذهب ومعتقد.
والى اليوم مازال العراقيين يستذكرون عثمان العبيدي. على المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي نقرأ المقالات ونشاهد الفديوهات عنه وعن بطولته. اليوم هناك جامع اطلق عليه اسم عثمان العبيدي وكذلك مدرسة ابتدائية. حتى على المستوى الحكومي، قرر مجلس الوزراء تكريم البطل (ولو بعد حين) و تخصيص مبلغ مليون دينار شهرياً في عام 2011 وسلمت وزارة الصحة عائلة الشهيد شقة سكنية في العام 2012. اخر التكريمات لذكرى هذا البطل يوم 1 ايلول / سبتمبر 2018 عندما اسدل الستار عن تمثال للشهيد عثمان العبيدي في احدى ساحات الاعظمية وسط احتفال جماهيري وحضور رسمي من رئيس مجلس محافظة بغداد رياض العضاض، تخللتها احتفاليات تضمن اهازيج واشعار وعرض للصور.
رحم الله البطل الشاب عثمان العبيدي وتغمده فسيح جناته. هو رمز الوحدة الوطنية ومن اعلى وارفع الاعلام الشامخة من اعلام العراق