في مطلع عام 2014 بدأت مجموعة علمية
مصرية تُخطط لمغامرة بحثية جديدة وهي البحث عن قصة
سمكة القمر المصرية.
واستمرت الجهود النظرية لمدة عام تقريبا، ومنذ عام 2015 حتى 2020 قام الفريق بإجراء 6 رحلات، استطاع بفضلها الوصول إلى نتائج كُللت مؤخرًا بنشر دراسة علمية هامة في دورية "جيولوجي" المرموقة، أحدثت دويا في الأوساط العلمية.
الدراسة التي أعدّها التابع لمجموعة
العالم المصري هشام سلام بجامعة المنصورة، استطاعت على وجه التحديد رصد السلوك المدهش لسمكة القمر المصرية واسمها العلمي "ميني" بعد العثور على حفريات هامة لعديد من الأسماك، في منطقة رأس غارب التابعة لمحافظة البحر الأحمر شرقي مصر.
وتكشف الباحثة المصرية سناء السيد الباحث الرئيسي في هذه الدراسة عن أهميتها، التي يعول عليها المجتمع العلمي للتوصل إلى المزيد من النتائج خاصة فيما يتعلق بظاهرة الاحتباس الحراري.
وضمَّ الفريق المصري من مركز "سلام لاب" تحت إشراف عالم الحفريات المصري هشام سلام باحثين مصريين من جامعات المنصورة، وطنطا، والجامعة الأميركية بالقاهرة، إلى جانب التعاون مع عالم الحفريات مات فريدمان من جامعة ميتشيغن.
رصد تغيّر السلوك
وبحسب السيد، تعود فترة البحث الذي أجرتها السيد مع فريقها إلى نحو 56 مليون سنة؛ حيث عانى كوكب الأرض حينها من ظاهرة عرفت بـ"الاحتباس الحراري القديم" كالتي نعانيها في زمننا هذا.
وفي ذلك الزمن، ارتفعت درجة الحرارة بمقدار 5 إلى 7 درجات مئوية في الحد الفاصل بين العصر الباليوسيني والإيوسيني.
وتقول السيد لموقع "سكاي نيوز عربية" إن درجات الحرارة في هذا الزمن تراوحت درجات الحرارة حينها بين 35 إلى 40 درجة مئوية، وهو مستوى مرتفع من درجات الحرارة، ومع مثل هذا التغيّر تبدأ الكائنات الحية في انتهاج سلوك مختلف عن الطبيعي.
وتتابع الباحثة المصرية: "معظم حفريات الأسماك المعروفة في هذه الفترة الزمنية يرجع لمواقع في نصف الكرة الشمالي أو آسيا، في حين لم يوجد حفريات قريبة من خط الاستواء ترصد سلوك الأسماك في درجات حرارة مرتفعة، مثل الانقراض، ظهور مجموعات أخرى، أو تغيّر شكلها".
التكيف مع الاحتباس الحراري
تشير السيد إلى أن مصر تزخر بالرواسب البحرية، وتم العثور فيها على طبقات الأسماك؛ حيث عثر الفريق العلمي على نحو 300 عينة من الحفريات لأنواع مختلفة من الأسماك، معظمها يعود إلى
سمكة القمر المصرية، التي تميّزت بوجودها في حالة من الحفظ الجيد.
تقول الباحثة المصرية إن المفاجأة الأولى في العينات التي عثروا عليها كانت لأسماك تشبه تقريبًا نفس الأسماك التي عُثر عليها في نصف الكرة الشمالي، خاصة أن العلماء كان لديهم توقعات بأن يكون هناك تباين واضح بين أنواع الأسماك في كل من شطري الكرة الشمالي والجنوبي.
وتابعت: "المفاجأة أن الأسماك استطاعت تحمل درجات الحرارة في هذا الوقت، مع وجود بعض التغيّرات؛ إذ استطاعت الأسماك تخفيض حجمها للتكيف مع درجات الحرارة المرتفعة".
وبحسب السيد فإن الدراسة ركّزت على
سمكة القمر المصرية (ميني) وقامت بتعريفها لعدة أسباب، أهمها؛ أنها حظيت بالنصيب الأكبر من بين عينات الحفريات المُكتشفة في حالة جيدة، إلى جانب أنها لا تزال تعيش حتى الآن في المحيط الهندي.
مرآة المستقبل
ترى سناء السيد أن الدراسة تمثل أهمية كبرى في فهم ظاهرة الاحتباس الحراري، والتنبؤ بالتغيرات التي قد تطرأ على الكائنات الحية.
وقالت: "الماضي بالنسبة لنا أفضل مثل لمعرفة ما سيحدث فيما بعد، فهو بمثابة مرآة للمستقبل، من خلال دراسة سلوك أنواع الكائنات المختلفة في مجموعات علمية متعددة في ضوء الاحتباس الحراري القائم".
وتختتم السيد بقولها: "هذا البحث هو الخطوة الأولى، وهو بمثابة نداء للمجتمع العلمي مفاده أن إجابات لأسئلة علمية كثيرة موجودة هنا في مصر، ونحن مستمرون في البحث للإجابة عنها، ومثلما عرَّفنا
سمكة القمر، سنعمل على مجموعات أخرى ونقوم بتعريفها في ظل التغيرات التي حدثت في درجات الحرارة".
يذكر أن الاحتباس الحراراي يمثل خطر داهم على المجتمع البشري؛ إذ قدر تقرير التقييم الخامس للأمم المتحدة عن التغير المناخي، أن متوسط درجات الحرارة العالمية ارتفع بمقدار 0.85 درجة مئوية من 1880-2012.
إلى جانب أن متوسط مستوى سطح البحر ارتفع في
العالم بنسبة 19 سم كما توسعت المحيطات بسبب ارتفاع درجات الحرارة وذوبان الجليد من 1901-2010، في حين تقلص حجم الجليد البحري في القطب الشمالي.