هشاشة العبقرية تكمن في حاجتها إلى جمهور
تلخص هذه العبارة أحد معضلات الوجود الاجتماعي، فالفرد لا تترسخ لديه العديد من السمات إلا بفضل الاعتراف الخارجي بها، اعتراف الآخرين، وكثير من تصورات الإنسان عن نفسه هي انعكاس واعي أو مشوش أو ناقص أو مختزل عن تصورات الآخرين عنه،
ولذلك أحياناً يكون لديك صديق بمثابة المرآة والانعكاس المفضل لديك عن شخصيتك، حتى يصح فيه القول أنه من النوع الذي إذا وثق فيك، وثقت في نفسك. وهكذا فالإنسان يستحيل عليه عملياً أن يكوّن تصور عن ذاته بمعزل عن الآخرين. وإن كانت الانفعالات أو التفاعلات الذاتية مع هذه التصورات القادمة من الخارج تتباين وتختلف بحسب عوامل الذكاء والكفاءة النفسية والإدراكية والسواء النفسي والعقلي وغير ذلك.
نحاول أحياناً أن نتفوق على التصورات المتداولة عنا أو حتى عن قناعاتنا الشخصية عن ذواتنا نفسها، ولذلك نموذجين بارزين:
الأول يكون عندما نتجه للتفوق في عمل أو دراسة أو نشاط ما لأجل أن نثبت شيئاً ما أمام أنفسنا، وفي هذه الحالة لا نحتاج كثيراً لسماع رأي الآخرين.
▫️الثاني يكون عندما نسعى لتحدى رأي الآخرين عنا في أمرٍ ما، فنسعى لتقديم عرض عملي يناقضه، لإثبات زيف الصور الذهنية لدى الآخرين عنا، وهذه عملية شاقة بالمقارنة مع النموذج الأول.
وعلى أية حال، نجد أنفسنا في أحوال كثيرة في مأزق "تمثيل النفس"، بمعنى ما مدى مصداقية ما أعتقده عن نفسي أو ما يعتقده الآخرون عني، وتكمن صعوبة المأزق في التناقض الأبدي بين رغباتنا في الحصول على الإطراء وربما الشهرة والمكانة والاحترام وبين قدراتنا ومؤهلاتنا الشخصية..
عند التعامي والانجرار خلف الرغبات تتضاءل المشكلة لدينا ونتحول لكائنات بائسة ومستلبة للآخرين وجاهلة بذاتها، وحين نحافظ على المصداقية والكراهية التامة للزيف والنفاق نبقى في صراع دائم مع تلك الرغبات.
وتقدم الشريعة هنا إطاراً عملياً وأخلاقياً لاستيعاب الأزمة، وإن كانت المجاهدة الدائمة من جوهر التشريع،
إلا أن الاخلاص لله ﷻ والشعور بمعيته وذكره توفر أرضية هائلة لاستيعاب رغبات النفس بالحضور والإطراء، كما تحرر النفس من القيود والشروط اللازمة للحصول على القيمة الاجتماعية، ومن غير هذا التأسيس الديني والأخلاقي من العسير فعلاً إيجاد حل لهذه المعضلة. |
|
|
|