..
في هذه المقالة سوف أتحدث عن كبيرتَيْن من كبائر الذنوب، قلَّ مَن لا يقع فيهما، فالإنسان اجتماعيٌّ بطبعه، والتحدث مع الآخرين لا بد منه، فقد يقع الإنسان في غِيبةِ أو نميمةِ أخيه دون أن يدري، فالغِيبة هي ذكر أخيك بما يكره، وقد تكون بالكلام أو بالفعل.
الكلام: هو التكلُّم عن عيوبه إذا كانت فيه، أما إذا لم تَكُن فيه، فهذا البهتان، وهو أعظم عند الله.
الفعل: هو تقليدُ عيبٍ ما في أخيك؛ كطريقة كلامه، أو مِشيته، أو الإشارة بأي عضو من جسمك للتعبير عن عيب تراه في أخيك، وتُقلِّده للآخرين من أجل المزح، أو الضحك، أو السخرية... وغير ذلك.
كل هذه الأمور محرَّمة في الكتاب والسنة، وقد اتَّخذَها الناس في المجالس، إلا من رحم الله، نسأل الله العافية!
أما النميمة، فهي نَقْل الكلام من شخص إلى شخص آخر؛ لغرض الإفساد بينهما، وهذا عملٌ محرَّم بالكتاب والسنة، وهو ذنب عظيم عند الله تعالى، وأكثرُ ما تقع الغِيبة والنميمة بين الأقارب والأصدقاء؛ ظنًّا أن هذا ليس من الغيبة أو النميمة، وأنهم أهل وأصدقاء وأن ما يحصل دون قصد؛ فتجد القريب يغتاب قريبَه ظنًّا منه أن هذا ليس من الغِيبة، أو ينقل الكلام من قريب إلى قريب ظنًّا منه أنه ليس من النميمة؛ لصلة القرابة، أو الصداقة... وهكذا، وكل هذه الأفعال محرَّمة ويجب التوبة منها، وكَمْ من الأقارب والأصدقاء الذين فُرِّقوا وتنافروا وتباغضوا من هذه الأعمال المَشينة!
وخصوصًا في عصرنا هذا، حيث أصبحت وسائل التقنية متوافرة حتى للذين دون سن الثامنة عشرة، بل حتى الأطفال، فيتَّصل الجوال دون علم المتحدِّثين، وربما صادفَ أنَّ المُتصِل به هو الذي يدور عليه الحديث، وانظر ماذا سيحدث بعد ذلك؟ وأصبح بعضُ الأصدقاء يستعملونها كوسيلة للمزاح، فيفتح جواله لصديقه، ويَشرع في التكلُّم عن عيوب الصديق الغائب أمام الصديق الحاضر؛ ليخرج منه الحديث عن الصديق الغائب، وانظر ماذا سيحصل بعد ذلك؟
هذه الأمور لا بد من توضيح خطورتها ومدى تأثيرها على الفرد والمجتمع، وتولد الأحقاد وإشعال الفتن بين الناس، والله المستعان.
وكثيرًا ما نجد من السائلين من يبحث عن التوبة والرجوع، فيقول: لو قلتُ لهم ما قلتُ فيهم، لازداد الأمر سوءًا وتعقيدًا، فماذا عليَّ أن أفعل؟
الحمد لله بابُ التوبة مفتوح، ما عليك إلا أن تستغفر لِمَن اغتبتَ، وتُكثِر لهم من الدعاء، وتَذكُرهم بخير في المجالس التي ذَكَرتَهم فيها بسوء؛ أقارب أو أصدقاء أو غير ذلك، وإذا أحسستَ أن استسماحهم لن يَزيد الأمر سوءًا فاستسمِحهم؛ لكي تنجوَ من هذا الذنب العظيم.
وهذه بعض الأدعية لِمَن اغتبتَ من إخوانك المسلمين كأمثلة، والأدعية كثيرة:
(اللهم اغفرْ لي ولوالديَّ، ولجميع مَن اغتبتُ من المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم زِد في حسناتهم، وزِد في درجاتهم، واجعل صلواتهم كأجر مَن صلَّى في المسجد الحرام، وزِد مثل ذلك كأجر مَن صلَّى في المسجد النبوي، وزد مثل ذلك كأجر مَن صلَّى في المسجد الأقصى، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد).
(اللهم إنما أنا بشر، فأيُّما مسلم لعنتُه أو آذيتُه أو اغتبتُه، فاجعلها له زكاة ورحمة، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد).
(اللهم إني أشهدك - وكفى بك شهيدًا - أني قد عفوتُ وسامحتُ كل مَن آذاني أو لعنني أو اغتابني من جميع خَلْقك؛ مرضاةً لك، وطمعًا فيما عندك، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد)