يقول الله تعالى في كتابة العزيز: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21][1] إذاً الأساس الأول للزواج هو المودة والرحمة والسكن كما أشار الله تعالى إلى ذلك في القرآن الكريم، فالمودة والرحمة ينبغي أن تسود العلاقة بين الزوجين، فالمرأة سكن وواحة للرجل يستظل فيها من عناء الحياة وكبَدها. كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة» (رواه مسلم) عن عبدالله بن عمر [2]. كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل أن يعامل زوجته معاملة يسودها الود والرحمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيراً» [3].
النكاح بولي:
وتكريماً للمرأة المسلمة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون للمرأة ولي حفاظاً عليها، فقد روت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة لم ينكحها الولي فنكاحها باطل فإن أصابها، فلها مهرها بما أصاب منها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» [4] وهذا لا يمنع أن تطلب المرأة الزواج من الرجل الصالح ولكن بولي [5].
وهذا إنما هو تكريم للمرأة وليس يغض من قدرها وإنما هو حفاظ لها ولقدسية الزواج من العبث به، وتقدير للأسرة المسلمة.
الصداق:
1- النهي عن الشغار (البدل):
وقد قدر الإسلام المرأة تقديراً كبيرا وفرض لها صداقاً يقدم حسب مكانتها الاجتماعية، لذلك نهى الإسلام عن الشغار أي زواج البدل بغير صداق، لذلك روي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار. والشغار أن يقول الرجل للرجل زوجني ابنتك أو أختك، على أن أزوجك ابنتي أو أختي وليس بينهما صداق) [6].
2- الصداق حسب المستوى الاجتماعي:
والصداق - كما نعلم - في الإسلام حسب المستوى الاجتماعي والمادي للزوجين، فهو يقدم للمرأة احتراماً وتقديرا لها - وليس كما يحدث في الشرائع الأخرى حيث تقدم المرأة (الدوطة) للرجل مقابل زواجه منها - وإنما يقوم الرجل في الإسلام بتقديم المهر وإعداد منزل الزوجية على قدر طاقته.
يقول الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4][7].
لذلك كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدمون الصداق حسب طاقتهم، كذلك كان يفعل صلى الله عليه وسلم إلا أنه أمر بعدم المغالاة في المهور. ولكن إذا قدر الرجل على المهر الكبير فلا بأس من ذلك فقد كانت مهور رسول الله صلى الله عليه وسلم توازي (أربعمائة درهم) عدا أم حبيبة رضي الله عنها حيث أصدقها نجاشي الحبشة عنه صلى الله عليه وسلم (خمسمائة دينار ذهبا) كذلك كان مهر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمن درع لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان (أربعمائة درهم).
ولكن لا يقدم الرجل للمرأة مهراً ويأخذ مؤخره وقد أشار الله تعالى في كتابه العزيز إلى ذلك بقوله:
{وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثماً مبينا} [8] ثم يعقب الله تعالى على ذلك بقوله: {وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا} [9].
إعلان الزواج: الدف، والوليمة:
ولشرعية الزواج في الإسلام ينبغي أن يكون كما أمر الله تعالى في العلانية وليس في الخفاء حرصا على كيان الأسرة من كافة الوجوه، يقول الله تعالى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء: 25][10].
كما يقول تعالى أيضا: {إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة: 5] [11].
وكما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف «فصل ما بين الحرام والحلال الدف الصوت» رواه محمد بن حاطب الجمحي [12].
كذلك روي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المسجد، واضربوا عليه بالدفوف» [13].
كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشجع على إحياء ليالي العرس بالغناء البريء. فقد روي عن ابن عباس، قال: أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أهديتم الفتاة» قالوا: نعم. قال: «أرسلتم من يغني»؟ قالت: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الأنصار قوم فيهم غزل. فلو بعثتم معها من يقول: «أتيناكم. أتيناكم، فحيانا وحياكم» [14].
أما عن الوليمة، فقد روي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عبدالرحمن بن عوف أثر صفرة. فقال «ما هذا؟» قال: إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب. فقال «بارك الله لك، أولم ولو بشاة» [15].
كما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب» [16]
هذا وقد أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على نسائه كل حسب ظروفه، فقد أولم على صفية بنت حيي رضي الله عنها (بتمر وسويق)، وأولم على زينب بنت جحش رضي الله عنها (بشاة )[17].
هذا والهدف من هذا الإعلان في الزواج وضرب الدف والغناء والوليمة أن يكون الزواج معروفاً للجميع حفظا للأنساب وحفظاً لحقوق كل من الزوجين.
[1] الروم / 21.
[2] انظر صحيح مسلم كتاب النكاح.
[3] انظر صحيح البخاري / كتاب النكاح، باب الوصاية بالنساء.
[4] سنن ابن ماجة، كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي.
[5] سيأتي فيما بعد.
[6] سنن ابن ماجة، كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي.
[7] النساء / 4.
[8] النساء / 20.
[9] النساء /21.
[10] النساء / 25.
[11] المائدة / 5
[12] سنن الترمذي، كتاب النكاح، باب ما جاء في الإعلان الزواج، ابن ماجة كتاب النكاح، باب إعلان النكاح.
[13] الترمذي، كتاب النكاح، باب ما جاء في إعلان الزواج.
[14] سنن ابن ماجة كتاب النكاح، باب الغناء والدف.
[15] موطأ مالك، كتاب النكاح، ما جاء في الوليمة، البخاري: كتاب النكاح باب قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}، مسلم: كتاب النكاح، سنن الترمذي، كتاب النكاح باب ما جاء في الوليمة.
[16] ابن ماجة، كتاب النكاح باب إجابة الداعي، موطأ مالك، كتاب النكاح، ما جاء في الوليمة.
[17] انظر موطأ مالك كتاب النكاح، سنن الترمذي كتاب النكاح، وأبو داود كتاب الأطعمة. |
|
|
|