ليس الزواج ساحة حرب
في هذا الزمان الذي طغت فيه الماديات على المعنويات، وسيطرت فيه الأنانية، وحب الذات على كثير من تصرفات المتزوجين؛ أصبح الزواج – ومن كل أسف – ساحة حرب، ومعارك زوجية يحاول فيها كل طرف الانتصار لنفسه، وهزيمة الآخر بأي طريقة، وغالبا ما تندلع تلك المعارك لأسباب تافهة يسهل القضاء عليها سريعا – إذا كان هناك تحلٍ بالصبر والتقوى والإيمان، وإذا ما كان بين الزوجين احترام، وتفاهم، وحب، والتماس للأعذار وتغافل وتقدير..
ومما يحول الزواج إلى معركة حربية؛ اختزال الزوجين الزواج في مجموعة من الحقوق والواجبات التي ينبغي أداؤها حتمًا – مهما كانت الظروف، وبدون مراعاة لتغير الأحوال، والضغوط، وكثرة الأعباء، والمسؤوليات الملقاة على كاهل كل منهما، والتي تحتاج إلى من يشعر، ويتعاون، ويشارك، لا مَن يرهق، ويمارس مزيدا من الضغط على شريكه، ويعاقبه حال التقصير، ويحارب من أجل انتزاع حقوقه منه عنوة، ويهدد سلامة الحياة الزوجية، ويعمل بكل قوة على تدميرها ..
فحين يكبل الأهل من يتقدم للارتباط بابنتهم بمهر، وشبكة، ومؤخر باهظ الثمن؛ فهم بذلك يحولون الزواج إلى صفقة يحققون من خلالها مكاسب مادية كثيرة، وقد يعملون على تأجيج نار الصراعات والخلافات بينهما فيما بعد – إذا قصر في أداء بعض واجباته نحوها، ويحولون الزواج إلى ساحة حرب لقتله ماديا، ومعنويا بحيث يصعب عليه مواصلة حياته مع أخرى بشكل طبيعي بعد ذلك لو أصرت ابنتهم على طلب الطلاق!..
وعندما تنظر الزوجة إلى من فوقها، وتقارن بين حالها وحال الأخريات، وتكثر مطالبها المادية، وترهق زوجها، وتحمله ما لا يطيق؛ ظنًا منها أن هذا الضغط المادي سيشغله بها وبأولادها، ويضيق عليه حتى لا يدعم، ويساعد أهله، كما سيفوت عليه فرصة التفكير في الزواج عليها لأي سبب؛ فهي بذلك تكرهه فيها، وتجعله يتمنى الخلاص منها ليرتاح من عناء تلك الضغوط المادية التي يعجز عن مواجهتها..
تجدر الإشارة إلى أن من ظن أن الزواج ساحة حرب؛ النصر فيها للقوي، والهزيمة للضعيف؛ فهو مخطئ في حق نفسه أولًا، وفي حق من يشاركه الحياة؛ لأنه سيحرم نفسه السعادة، والراحة، وسيرهق ذهنه، وأعصابه، وسيدمر حالته النفسية، وسيخسر كثيرا، ولن يجني من وراء ذلك سوى الحسرة، والندم الذي لا جدوى منه..
كما أنه سيظلم من قَبِلَ أن يشاركه حياته، وأحسن به الظن، وتوسم فيه خيرا، وقد يدمر حاضره، ومستقبله، ويدخله في أزمات صحية، ونفسية، واجتماعية لا يعلم نهايتها سوى الله..
فالزواج مودة، ورحمة، وسكن، وأمان، ومعاني أخرى نبيلة، وسامية تعجز أي علاقة إنسانية أخرى عن تحقيقها..
قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون} الروم: 21 |
|
|
|