تحدثت سورة الأنفال عن غزوة بدر، وهي فاتحة الغزوات، وتناولتْ سورة التوبة غزوةَ تبوكَ، وهي خاتمة الغزوات، وكما جاء ذكر المنافقين ودورهم في الإرجاف في قوله تعالى: ï´؟ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ï´¾ [الأنفال: 49]، فإن سورة التوبة فضحت المنافقين وكشفت أسرارهم؛ ولهذا سمِّيت "الفاضحة" و"البَحُوث"[1]، وقد وردت آثار في ارتباط السورتين بسبب سقوط البسملة بينهما، وفي هذا يقول القرطبي: "روى النسائي، قال: حدَّثَنا أحمد، حدثنا محمد بن المُثَنَّى عن يحيى بن سعيد، قال: حدثنا عوف، قال: حدثنا يزيد الفارس، قال: قال لنا ابن عباس: قلت لعثمان: ما حملكم إلى أن عمدتم إلى الأنفال، وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا سطر (بسم الله الرحمن الرحيم) ووضعتموها في السبع الطوال، فما حملكم على ذلك؟ قال عثمان: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول: ((ضعوا هذه في السورة التي فيها كذا وكذا))، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل، وبراءة من آخِر ما نزل، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وقُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يُبَيِّن لنا أنها منها، فظننتُ أنها منها، فمِنْ ثَمَّ قرنْتُ بينهما، ولم أكتب بينهما سطر (بسم الله الرحمن الرحيم)، وخرَّجَه أبو عيسى الترمذي، وقال حديث حسن"[2].
ومن هنا، فإن هناك وجهَ مناسبةٍ ورابطة عضوية وموضوعية بين السورتين الكريمتين، فموضوعهما واحد، وهو القتال، إلا أن سورة الأنفال تُمَثِّل أول مراحل تشريع القتال، وسورة التوبة تُمَثِّل آخر مرحلة من مراحل تشريع القتال، فقد جاء فيها آية السيف، وهي قوله تعالى: ï´؟ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ï´¾ [التوبة: 5]، قال القرطبي: "نسخت هذه الآية كل آية في القرآن فيها ذِكْرُ الإعراض والصبر على أذى الأعداء"[3].
[1] انظر: القرطبي جزء4، ص 2900.
[2] المرجع السابق ص، 2912.
[3] المرجع السابق ص 2912.
د. أمين الدميري |
|
|
|