ا ننكر أن واقع تعليم اللغة العربية بمدارسنا الابتدائية، وما تعانيه من غزو اللهجات المحلية والعالمية، ومنافسة
اللغات الأجنبية في إطار الحياة الاجتماعية العامة، أصبح يستدعي منا القيام بدراسات علمية
تعمل على تنمية وبناء الكفاءة اللغوية لدى المتعلمين. ولا ننسى قصور مناهجنا التعليمية في تحقيق كفاية لغوية عالية لمتعلم المرحلة الابتدائية، وما نراه من إدخال مفردات من الدارجة في الكتب المدرسية يسبب له ضعفا لغويا جما، إضافة إلى ما يعترض سبيل المتعلم من صعوبات في التعلم. كل هذه التحديات تجعل من تعليم اللغة العربية أمرا ليس بالسهل، وهذا ما يدفعنا للتساؤل كيف يمكننا أن نساعد المتعلم على
تعلم اللغة العربية في ظل كل هذه المعرقلات؟
لكن، لنتساءل أولا كيف
تعلم أجدادنا تلك اللغة العربية الصعبة التي نسمعها الآن في أشعار امرؤ القيس وعنتر بن شداد ولا نفهم منها شيئا؟
يقول ابن خلدون: “ووجه التعليم لمن يبتغي هذه الملكة أن يأخذ نفسه بحفظ كلامهم القديم الجاري على أساليبهم من القرآن والحديث، وكلام السلف، ومخاطبات فحول العرب في أسجاعهم وأشعارهم… حتى يتنزل لكثرة حفظه لكلامهم… منزلة من نشأ بينهم”.
إن
تعلم أي لغة يعتمد أساسا على أنشطة معززة ومقوية للمهارات الأربعة التي هي السمع والتحدث والقراءة والكتابة، ومهارة السمع أقوى هذه المهارات حسب ابن خلدون، حيث أنه يحث على غمس المتعلم في اللغة بحيث لا يسمع إلا إياها، ويقوم بحفظها كما يسمعها من أصحابها باعتماد مهارة السمع فقط، وهذا ما نسميه
الإغماس اللغوي ، فلا يكون للمتعلم إلا سماع اللغة المراد تعليمها فقط، حتى يتقنها مثلما يتقن لغته الأم.
ويقول الفاسي الفهري: “إن أي تعليم لغوي متعدد (مقترن بتعدد لهجي) ينبغي أن يقوم أولا على تمكين الطفل المغربي من اكتساب اللغة الوطنية الرسمية، عبر غمس مبكر (early immersion)، لتلافي الانعكاسات السلبية للازدواجية (diglossia) على النمو
اللغوي والمعرفي، والشروع في تعليم اللغة أو
اللغات الأجنبية في سن لاحقة متأخرة (ابتداء من الثانية عشرة سنة أو التاسعة في أحسن الظروف)، بعد أن يكون الطفل قد ضلع في لغة هويته وفكره وثقافة مجتمعه بصفة كافية، لا تعيق نموه، ولا تتسبب في اضطراب قدراته.”
ويقصد بالإغماس المبكر أننا نغمس المتعلم في بيئة اللغة العربية، حتى يتعرف على مفرداتها وقواعدها دون تعليمها له عبر دروس، ويتواصل بها في مختلف المواقف، وهو من أحدث أساليب
تعلم اللغات، وحسب كلام الفاسي الفهري فإن هذا الغمس
اللغوي يجب أن يحصل في السنوات الأولى من عمر المتعلم لأن دماغه يكون أسرع في
تعلم أي لغة أكثر من أي سن آخر. والفرق بين
الإغماس والانغماس هو أن الأول نفتعله ونخلقه بفعل فاعل وعن قصد، فنجعل الطفل يغمس في اللغة، عكس الثاني الذي يحدث غالبا على مستوى اللغة الأم أي من غير قصد وإدراك.
تجدر الإشارة إلى أن الطفل بين سنتين وخمس سنوات قادر على أن يتعلم بمعدل كلمة واحدة في الساعة. لأن وتيرة اكتساب اللغة لديه سريعة جدا بالمقارنة مع شخص بالغ. والرصيد المعجمي للمتعلم ينمو بالتدريج بتعرضه للمفردات الجديدة أربع مرات على الأقل، كما أن
تعلم أكثر من لغة في هذه السن المبكرة يزيد من قدراته العقلية مثل: مهارات التفكير العليا والإبداع.