طفلاً، رأيته ... ببراءته ... بطفولته ... بصغر جسمه، وكبر فعله... يتناول إناء فيه ماء، ويحاول جاهداً، أن يسقي رأس غنمة مذبوحة!!
أشجاني، وحرك ساكني، وأثار كامني، فتناولت طرسي وقلمي، لأجلس إلى هذا الطفل!!
نعم، لأجلس إليه ... لأتعلم منه ... لآخذ عنه.. لأنهل من براءته!!
فقد أخذت العلم -والحمد لله- عن كبار فطاحل، لكني اليوم، آخذه عن صبيٍ ناشئ، لم يحسن الخطو بعد!!
فليس هذا بظائري..
وقد قال وكيع بن الجراح: (لا ينبل المرء، حتى يأخذ العلم: ممن هو أعلى منه، وممن هو مساوٍ له، وممن هو دونه) فها أنا آخذ العلم، عمن هو دوني سناً، وأبثُّ ما تعلمته إلى العالمين!!
وكم هي العبرة والعظة والموعظة، عندما تكون من صغير، لا بجسمه النحيل الضئيل، وإنما بخلقه النبيل الجميل!!
فدونكم دروس على الطروس:
قلت من فيض خاطري:
هذه البراءة، بأبهى حلة، وأنصع صورة!!
فلا حقد ولا انتقام، بل رحمة وانسجام، وألفة و (وئام)!!
رأى رأس غنمته قد فصل عن جسدها، وهو لا يدري ما الخطب؟!
إلا أنه شعر أن هناك مكروهاً، أصابها، وألماً حلّ بها!!
فأسرع إلى الماء؛ لينقذها، ولأن في الماء الحياة والنماء.
وهذا هو كل ما يملك، ويسطيع!!!
صائحاً بها: هيا، اشربي..اشربي.. مالك لا تجيبين.. أووو، اشربي.. تعبت والقدح في يدي!!
ماذا أصابك، هل أنت مريضة، هل أنت حزنى، هل أنت جوعى.. هل أنت عطشى، ها هو الماء، اشربي، ستشفين، ستقومين..هل أنت؟ وهل أنت؟
وأخذ يعدد عليها، الآلام والأوجاع!!
علها، أن تجيبه، ولكن: للأسف، لم يظفر بجواب، بل كان في أحلام وسراب!!
كل هذا؛ لأنه يحبها، ولأنها لم تؤذه، ولأنه كان يلاعبها وتلاعبه!!
هل أدركتم لماذا نحب الأطفال، ويحبوننا؟
لأنهم، لم يؤذوننا، ولم يقفوا في طريق نجاحنا، إنها البراءة، فلماذا لا تلازم الصغار، حتى يكون كبارا؟!
آه، ياصغيري: إنك لا تدري ما الحياة، وكيف هي مكابدتها "لقد خلقنا الإنسان في كبَد"
إنك يا صغيري: لا تفهم هذه الأمور المُعقّدة؟
ترى، كيف تجيبك، وقد قُطعت أوداجها، وشخبت دماؤها؟؟!!
آه، ياصغيري -حفظك الله، ودُمت على برائتك- مسكين أنت، لا تدري مهْ؟
إن هذا هو الموت، بأبشع صوره، إنه الفناء.. إنه البِلى.
حفظك الله، يا صغيري، فعلت ما أقدرك الله عليه، لتفادي وتفتدي هلاك حيوان!!
وهناك أمّة، تعمل ما بوسِعها، لفناء أمّة!!!
حفظك الله، ياةصغيري: تريد أن تُلئم الجرح، وترقع الفتق، وتخيط الخرق!!
وهناك أمة، تسعى لشقاء أمة، والفتك بها، والقضاء عليها!!!
حفظك الله، يا صغيري: أراك تكره القتل والدماء، وتسعى للعيش والبقاء!!
وهناك أمة، تسعى، لفناء أمة، وقطعها من جذورها، وقطعها عن أوصالها!!
هذه قراءات، -يا صغيري- قرأتها، من فعلك البريء، ولو أردت، لزدت وأطلت!!
ولكن عسى، أن يكون فيما عليه اقتصرت؛ عبرة لمعتبر، وتنبيه لمدّكر.
|
|
|
|