سبب نزول سورة الحجرات تتعدّدت أسباب النزول في سورة الحجرات حسب مناسبة الآيات، وهي على النحو الآتي: قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)،[1] وسبب نزول هذه الآية، اختلاف الصحابيان الجليلان أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- فارتفعت أصواتهما أمام النّبي -عليه الصّلاة والسّلام-. وجاء في الحديث الذي يرويه عبد الله بن الزبير: (أنّه قدم ركب من بني تميم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد، وقال عمر: بل أمر الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر: ما أردت إلّا خلافي، وقال عمر: ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزلت فيهم هذه الآية).[2] قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ)،[3] نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه وقر، وكان جهوري الصوت، وكان إذا كلّم إنساناً جهر بصوته، فربّما كان يُكلّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيتأذّى بصوته.[4] قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ)،[5] نزلت هذه الآية بعد الآية التي سبقتها؛ لأنّ أبا بكر بعد نزول قول الله: (لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ..)؛ قال: "آليت على نفسي أن لا أكلم رسول الله إلا كأخي السِّرار".[6] قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ)،[7] نزلت في جفاة بني تميم، إذ قدم وفد منهم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فدخلوا المسجد، فنادوا النّبي الكريم من وراء حجرته: "أن اخرج إلينا يا محمد، فإن مدحنا زين وإن ذمنا شين"، فتأذّى النبي - صلى الله عليه وسلم - من صِياحهم فخرج إليهم.[8] قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)،[9] نزلت الآية في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، إذ بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني المصطلق مصدقًا وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية، فلمّا سمع القوم به تلقوه تعظيمًا لله تعالى ولرسوله، فحدثه الشيطان أنّهم يريدون قتله فهابهم. ورجع من الطريق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: إنّ بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي، فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهمّ أن يغزوهم، فبلغ القوم رجوعه، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: "سمعنا برسولك، فخرجنا نتلقّاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلنا من حق الله تعالى. وبدا له في الرجوع، فخشينا أن يكون سبب ردّه من الطريق، كتاب جاءه منك بغضبٍ غضبته علينا، وإنّا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فأنزل الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)، يعني الوليد بن عقبة.[10] قوله تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)،[11] نزلت الآية في طائفتين من الأوس والخزرج، اقتتلتا في بعض ما تنازعتا فيه.[12] التعريف بسورة الحجرات هي سورة مدنية نزلت بعد الهجرة النبوية في السنة التاسعة للهجرة، عدد آياتها ثماني عشرة آية، تقع في الجزء السادس والعشرين، ترتيبها في القرآن الكريم التاسعة والأربعون، وكان نزولها بعد سورة المجادلة، وسُمّيت بالحجرات؛ لأنّه ذكر فيها لفظ الحجرات وهي حجرات نسائه -صلى الله عليه وسلم-. حيث نزلت في قومٍ من العربِ الجُفاة الذين كانوا ينادون النّبي -صلى الله عليه وسلم- من وراء حُجرات نسائه حتّى يخرج إليهم، فكان ذلك يُؤذيه -صلى الله عليه وسلم- فنزلت السورة الكريمة لتأديبهم وتعليمهم أنّ للبيوت حُرمة يجب مراعاتها. احتوت سورة الحجرات على الآداب العامة، والمواعظ والهدايات التي من شأنها نفع المؤمنين في دينهم ودُنياهم، فقد بدأت بالنّداء الأول للمؤمنين؛ لتعلمهم مكارم الأخلاق، ومراعاة الآداب وما يجب عليهم نحو ربّهم جل وعلا ونحو نبيهم -صلى الله عليه وسلم-. ثم وجهت للمؤمنين نداءً ثانيًا؛ لتعلّمهم آداب الحديث بشكلٍ عام، ومع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشكلٍ خاص، حيث يجب عليهم أن يستمعوا جيدًا للنّبي -صلى الله عليه وسلم- إذا تحدّث ولا يُقاطعوه ولا ترتفع أصواتهم على صوته إذا جلسوا معه. وتناولت السورة عدداً من المواضيع الهامة مثل: ضرورة مراعاة أوامر الله -جل وعلا- واجتناب نواهيه، والتحاشي عن المنّة على الله تعالى بالطاعة، ووجوب التأدّب في الكلام مع الأكابر وعدم التهور، واحسان الظن بالناس، وعدم الغيبة والنميمة، وعدم مناداة النّاس بالألقاب التي يكرهونها، وترك المُفاخرة بالأحسابِ والأنسابِ، وبيّنت أنّ التقوى هي أساس التفاضل بين الناس. موضوعات سورة الحجرات ورد في سورة الحجرات الكلام عن الموضوعات أخلاقيّة ، منها ما يأتي:[13][14] الآداب العامة ومكارم الأخلاق والتهذيب والتأديب. النهي عن نوازع السُخرية والاستهزاء بالآخرين. الحثّ على إزالة أسباب الخصام والبغضاء، والحرص على تأليف القلوب؛ من خلال الحثّ على حسن الظن بالناس وإشاعة المحبة والمودة بينهم. النهي عن تتبّع العورات المستورة، وعن الغيبة واللمز والتنابز بالألقاب. تقرير منهج شامل لتربية الفردِ وتهذيب الجماعة، حيث قدمت أنموذجًا ناجحًا للمسلم الصالح الذي يحترم دينه ويؤدي شعائره. مراعاة أوامر الله -جل وعلا-، واجتناب نواهيه، والتحاشي عن المنّة على الله تعالى بالطاعة، وإحالة علم الغيب إلى الله تعالى. تعليم المسلمين ما يجب عليهم من الأدب مع النّبي -صلى الله عليه وسلم- في معاملته وخطابه وندائه. تقرير أنّ الناس جميعًا خُلقوا من أصلٍ واحدٍ، ثم تفرّعت بهم الشعوب والقبائل، والعلاقة بين الناس أساسها التعارف على الخير، وأكرم الناس عند الله تعالى أكثرهم تقوى، وطاعة لأمره والتزامًا بهدي نبيه -صلى الله عليه وسلم- التثبت في نقل الخبر مطلقاً، وعدم تصديق أخبار الفاسقين وإشاعات المُغرضين. خفض الصوت عند التحدث مع رسول -صلى الله عليه وسلم-؛ تعظيماً له واحتراماً لمقامه الرفيع، فهو ليس كعامةِ الناس، فيجب التأدّب معه في الخطاب، فله منّا التوقير والتعظيم والتبجيل.