في رائعته ثياب الإمبراطور الجديدة، يروي لنا الأديب الدنماركي الشهيرهانس كريستيان قصة إمبراطور كان شديد الولع بالملابس الجديدة ومغرماً بالثياب الفاخرة، قد بدّد أموال الدولة على ملابسه ليبدو أنيقاً دائماً، وفي يوم من الأيام أعلن هذا الإمبراطور (السقيم) عن جائزة سنية لكل من يستطيع تصميم ثوب مميز لا مثيل له، فتقدّم دجّال من عامة الشعب زاعماً القدرة على خياطة ذلك الثوب المتفرِّد، حيث صمم له ثوباً وهمياً (بلا قماش)، وأقنعه بجمال الثوب، وأكد على أنّ رؤية هذا الثوب العجيب مقتصرة على الأذكياء وصفوة الشعب فقط!! فكان كل من أرسلهم الإمبراطور لتفقُّد الثوب في طور تجهيزه يزعم رؤيته حتى يُنسب للصفوة! وعندما جهّز الثوب خلع الإمبراطور ملابسه ولبس الثوب الوهمي وخرج إلى الشارع (عارياً) منتشياً قد هزّه الطرب مفتخراً مدلاً بثوبه العاري، وقد صدق الناس كذبة الدجال واحتفلوا بالثوب الجديد مهلِّلين وممجِّدين إلى أن مرّ موكب الإمبراطور من أمام طفل بريء والذي انفجر ضاحكاً وأخذ يصيح (الإمبراطور عريان) (الإمبراطور عريان)، عندها عرف الشعب الحقيقة!!
وهذا ما حدث مع كتاب ترجم إلى 30 لغة وتصدّر الكتب الأكثر مبيعاً وبيع منه ملايين النسخ، ودرّ مئات الملايين على سدنته وأكل أموال الملايين من البشر! وقد وجد مروِّجوه في هشاشة العقول منحدراً سهلاً فانحدروا ومطية مذللة فامتطوا، موجة تفاعل عالمية مع فكرة الكتاب وكأنه حقيقية لا تقبل نقاشاً ويقيناً لا يقبل اعتراضاً! افتتان عجيب وانسياق غريب، وقد روّج له بألفاظ مزركشة ودعايات مبهرجة اختُرقت بها القلوب، فهرول إليه الملايين صُمّاً وعميانا، ونزلوا على حكمه وبذلوا له القياد فمن يجرؤ على نقده أو عدم تصديقه! لولا أن قيّض الله قلّة تصدّت لهذا الكتاب المخدر وكشفت زيف ما فيه، فإذا هو برق خلب وسحابات صيف.
الدنيا بين يديك:
إذا أردت أن تمتلك مليون ريال فأمنية قريبة المرام!
إذا رغبت في اقتناء سيارة فاخرة فلن يكلف الأمر الكثير!
إذا دعتك نفسك لقضاء الإجازة الصيفية في جزر سيشل الساحرة وأنت لا تملك قوت يومك فرغبة هينة المطلب!
تريد أن تتخلّص من 30 ك من اللحوم الزائدة فأمر داني المتناول!
تريدين زوجاً محباً وأولاداً صالحين فحلم يسير الملتمس!
عندما يحكم الدهر بالنأي مع من تحب فانقلابه إليك أقرب من لمح البصر!
إن أنهكك وصب وأنحلك ألم واعتراك سقم فلا تبتئس فالشفاء على الأبواب!
فقط اجلس في مكان هادئ لا صخب ولا إزعاج، وركِّز قواك وبعدها ستأتيك النعم تترى والملايين تتراقص والسعادة تهرول وسيرتمي النجاح في أحضانك والتوفيق والسعادة ستقولان لك أتينا طوعاً! فقط ركِّز واطلب وستجد!!! شفاء بعد سقم ولقاء بعد هجر وغناء بعد فقر وأمن بعد خوف وهداية بعد حيرة، لن يتعذّر عليك مطلب ولن يعز عليك مرام، وستنال من الحظوظ ما لا تعلو به خواطرك ولا ترتقي إليه همتك!!
أي سخف هذا؟!!
كذب بيِّن!
وزيف فاحش!
تدليس واستغفال للناس!
وهمٌ وخرافة وخداع!
وكسر لقوانين الحياة واختراق لنواميس الكون!
تجربة شخصية:
لا أخفيكم سراً أن نفسي دفعتني للتجربة من باب (ليطمئنّ قلبي) فتمنيت أشياء سهلة تخص عملي في جريدة الجزيرة عن طريق قانون (الجذب) لعلها تكون سبباً إلى حاجتي ومسلكاً لأمنياتي وقد تمنيت أمرين: أولها رفع مكافأتي و ثانيها عدم حجب صفحة ورود الأمل نهائياً! حيث استجمعت فكري بتركيز عميق على ما أتمنى وقد أمضيت أياماً على هذا مستمهداً الراحة ومخالطاً السكون والدعة, وحدث بعد هذا ما لم يكن في الحسبان ولم يجر في خلدي، حيث حجبت صفحة ورود الأمل ثلاثة أسابيع متتالية لأول مرة!!
خرجت أبغي الأجر محتسبا ... فرجعت موفورا من الوزر
وأما موضوع المكأفاة لا حس ولا خبر!! وهذا هو الأمر الطبيعي والنتيجة المرتقبة، فالأمنيات رأس مال المفاليس، فأنا لم أتلمّس الأمر من مظانه ولم أطلب الحاجة من مأتاها، وبعدها تيقّنت أنّ أمر السر أكذب من أسير الجيش!!
الأكذوبة:
كتاب السر the secret للأسترالية روندا بايرن (Rhonda Byrne)
كتاب تزعم صاحبته أنّ سر الوجود الأعظم هو ما يسمّى بقانون (الجذب)، حيث إنّ الشيء يجذب مثيله وعندما تطلق أفكارك وترسلها في الكون فهي تجذب ما يحاكيها ويشابهها!!
وأنّ كل ما يصادفك في حياتك هو نتيجة جذبك له! رغم أنّ القوانين العلمية تؤكد على أنّ التجاذب يكون للأشياء المتنافرة!
كتاب لا يفتأ يحرض الناس على ترك الجهد ويحث على الدّعة والسكون وأن لا يمدوا أيديهم إلى عمل ولا يشغلوا أنفسهم بمهمة .. وإحالة أمر النجاح إلى التفكير فقط دون المبادرة والعمل, فقط اعمل بهذا القانون ويكفيك ولا داعي للعمل!! فقانون (السر) يجذب لك المال ويدفع عنك المصائب وبه يستنصر على الأعداء!!
هذا ما يروّج له ثلّة من الدجّالين وبائعو الوهم والعازفون على الجراح وتجار الخرافة!
الطامة الكبرى:
وقد أنكر الكتاب في نسخته الأصلية كتابة مقادير الخلائق (رغم تلطيف المترجمين لتلك المعلومة الخطيرة)، وأكد على أنّ كل ما يحدث للبشر هو من صناعتهم وهذا كلام الطائفة الضالة (القدرية)، فأين نحن من قوله تعالى (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)؟! والحمد لله أنّ دروب التميُّز والنجاح سهلة ميسرة، وفي ديننا ما يغني عن تلك الخزعبلات والسفسطات، فمتى ما عُمل بالأسباب الشرعية من دعاء وحسن ظن بالله وتوكُّل واستعانة، وأكملت بسعي وعمل وجهد، وإذا وجدت الإرادة الجازمة والقدرة الكاملة، كما قال شيخ الإسلام فسيتحقق المراد, وليس كما زعم المهرجون الذين حيدوا الفعل والعمل، وجعلوا من التفكير سبباً وحيداً لحدوث المرادات!
ومضة قلم :
ظنُّ العاقل خيرٌ من يقين الجاهل