من يلقِ بنظرة الآن على العالم الإسلامي يجد أنه منشغل كله الآن بقضية إعادة نشر الرسوم، والجميع يتساءل: لماذا تكرَّر الفعل رغم معاناة الدنمارك الشديدة من المقاطعة عند نشر الرسوم لأول مرة، وهو بلد اقتصادي في المقام الأول تهمُّها حسابات المال؟ ومع كون الرسوم تكررت إلا أن تفاعل المسلمين مع الأحداث أقل بكثير من المرة الأولى. وقد طرحنا استبيانًا حول سبب ضعف التفاعل عند إعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهل هو ضعف التغطية الإعلامية للحدث، أم اعتياد الأمة الإسلامية على الأذى والهوان، أم هو خلَلٌ في حبِّ الأمة للرسول صلى الله عليه وسلم؛ وقد جاءت آراء المشاركين في الاستبيان على النحو التالي:
ضعف الإعلام: 19.4%
اعتياد الأذى: 46.9%
خلل في حب الرسول: 33.7%
لقد ظهر من الاستبيان أن أكثر المشاركين يرون أن الأمة الإسلامية اعتادت الأذى، ونتيجة الاستبيان أراها طبيعية؛ إذ إننا في المرة الأولى قد صُدِمنا؛ لأن الحدث جديد علينا، ولم نجد في العصر الحاضر من تجرَّأ على مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الآن فقد تكرَّر الحدث، وكثيرًا ما يكون ردُّ فعل الإنسان في المرات الثانية والثالثة لتكرار الحدث أقل من الأولى، وهذا ما أسمِّيه (إِلْف المصيبة)، أو نستطيع أن نقول: إنه إِلْفُ المهانة، وفيه يصدق قول المتنبي:
من يَهُن يسهلِ الهوان عليه *** ما لجُـرْحٍ بميـت إيـلامُ
لكن السؤال الذي ينبغي أن يُطرَح هو: لماذا يحدث إلف المهانة؟ وهل هو شيء طبيعي أم هو مرض يحتاج لعلاج؟
الرسول الله عليه وسلمواقع الأمر أن هذا الإلف يحدث لوجود خللٍ في مسألة حب المسلمين للرسول؛ فحب الرسول ليس أمرًا عاطفيًّا أو قلبيًّا فحسب، بل هو أصل ينبني عليه أمور كثيرة؛ إذ هو أصل من أصول الإيمان، والأحاديث في ذلك متواترة؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَحَتَّى يُقْذَفَ فِي النَّارِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ نَجَّاهُ اللَّهُ مِنْهُ، وَلاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"[1].
وَعَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ نَفْسِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ". قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ الآنَ وَاللَّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الآنَ يَا عُمَرُ"[2].
الرسول الله عليه وسلموليس هذا الحب كلمات تُقال فقط، وإنما هو أعمال تُنَفَّذ، ومناهج حياة تُتَّبع. وليس من المعقول أن أَدَّعي حب إنسان ثم أجده يتعرض للأذى، ولا يتمعَّر وجهي، ولا تتحرك جوارحي، ولا تهتم نفسي!!
ولتسألْ نفسك: هل لو تعرض ابنك مثلاً للأذى: أتكتفي بأن تحمل الهمَّ، أم تتحرك بكل طاقاتك للدفاع عنه؟
ولو تكرَّر الأذى، هل تكسل عن الدفاع مرة أخرى أم تتحرك ثانية بنفس القوة؛ لأنك تحبه حبًّا حقيقيًّا؟
لذلك لا يُقبَل أن نقول: إننا أَلِفْنا المهانة، ولا تُقبل حالة الفتور والتراخي في التعامل مع القضية؛ لأننا سمعناها أكثر من مرة خلال الشهور الماضية.
ولهذا فإننا نرى أن نتيجة الاستبيان لا ينبغي أن تكون بهذه الصورة، وإنما ينبغي أن يسبق اختيار الخلل في حبِّ الرسول كسببٍ لهذا الضعف اختيار (إِلْفِ الأذى)؛ فالخلل في حب الرسول هو المرض، وإلف المهانة هو العَرَض.
أمّا الاختيار الثالث في الترتيب، وهو أنَّ ضعف الإعلام هو السبب في فتور المسلمين نحو القضية، فيمكن القول من نفس المنطلق أن ضعف الإعلام نابع من الخلل في حُبِّ الرسول صلى الله عليه وسلم.
علامات حب رسول الله
ولكن كيف نعرف أننا نحب الرسول صلى الله عليه وسلم حُبًّا صادقًا؟ أو بأسلوب آخر: ما علامات حب الرسول صلى الله عليه وسلم؟
الحقيقة أن علامات حب الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرة ومتنوعة، وليس المجال للتفصيل فيها، ولكن نذكر منها:
1- الدفاع عنه صلى الله عليه وسلم بكل ما لدينا من قوة.
2- اتِّباع سنته صلى الله عليه وسلم اتباعًا سليمًا، فالشاعر يقول:
لو كان حبُّك صادقًا لأطعته *** إن المحـب لمن يحب مطيـعُ
3- التعريف به صلى الله عليه وسلم، والحديث عنه.
4- حب صحابته ، وآل بيته صلى الله عليه وسلم.
5- كثرة الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم.
6- دراسة سيرته العطرة، ومعرفة دقائق حياته.
7- توقيره عند سماع ذكره، وعدم المجادلة فيما أمر به، ولو كان نافلةً.
وهكذا إذا استقرَّ الأمر على أن هناك خللاً في حُبِّ الأمة الإسلامية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعزمنا على إصلاح الخلل، وأن نقدِّمه صلى الله عليه وسلم على أنفسنا وأموالنا وأبنائنا، فماذا عسانا أن نفعل لكي نكون قد أدَّيْنا واجبنا نحوه؟ |
|
|
|