ومن أعظم الشهور شهر شعبان فهو شهر عظيم، كثيرًا ما نغفل عنه ونترك غنائمه ضائعة فنخرج منه وكأننا في سبات عميق، فلا نستطيع الاغتنام من عباداته وأوقاته.
ومن أعظم عباداته الصوم؛ فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كثير الصيام في شهر شعبان، روى البخاري ومسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهرٍ إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان".
إن الله أراد بعباده الخير والقرب والصلاح فكتب علينا الصيام؛ لما فيه من كبح للشهوات والذنوب يقول الله عزوجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 183].
فكان الصيام فرضًا علينا كما فُرض على الأمم السابقة، فإذا أردنا أن ندخل رمضان بلا مشقة أو تعب من الصيام؛ علينا أن نتدرب على العبادات وأن نكثر منها في شهر شعبان، فالصيام في شعبان هو مدرسة لتربية النفس وصلاحها، فإذا أردنا أن نفوز في رمضان علينا بالبدء في إصلاح أنفسنا وإفاقتها من غيبوبة طالت بها، فإذا لم نصحو في شعبان كيف سنعمل ونستقبل رمضان؟!.
فعلينا أن نكثر من الصيام وأن نعدَّد من الختمات، وأن نكثر من إخراج الصدقات، وأن نهجر فراشنا ونقوم ونحي ليلنا والناس نيام، فشعبان شهر تمرين للقلوب والنفوس وقمع للشهوات، وكثرة الصيام فيه تمرين لكي ندخل رمضان بدون مشقة أو تعب، ندخل ونحن نتمتع بكل قوة ونشاط.
وأيضًا شهر عظيم ترفع فيه الأعمال إلى الله عز وجل، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام فيه، وعلينا نحن أيضًا بكثرة الصيام فيه، ألا نحب أن نقتدي بنبينا ونسير على سنته لكي نسعد بصحبته في الآخرة ؟!
فعن أسامة بن زيد، قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» (أخرجه النسائي وحسنه الألباني).
ونحن يا تُرى كيف نحب أن يرفع عملنا وصحيفتنا إلى ربنا؟!
إن شعبان أخوتي في الله ما هو إلا جسر العبور بيننا وبين رمضان، فإن لم نحسن بناء الجسر فلنعلم أننا سنتعثر كثيرًا، وستضيع منا الفرص العظيمة في شهر رمضان.
سنرى الكثير وقد سبقنا، وقد رق قلبه ودمعت عيناه وزاد شوقه، ونحن بلا حراك، وقد وجدنا قسوة وغلظة بداخل نفوسنا، بل وجدنا أرواحنا تائهة حائرة لا تعرف عنوانًا للراحة.
فإذا أتتنا الفرصة لنسير بأنفسنا إلى بر الأمان فعلينا ألا نضيعها ولنعمل على اغتنامها والفوز بها