الناس والعادات
الناس والعادات للشيخ علي محفوظ نشر هذا المقال في مجلة الهداية علم ١٣٤٨ حينما رأى الكاتب ظاهرة انتشار عادات سيئة في المجتمع منها دخول #الرجال على #النساء وعدم الاستئذان عند دخول الأجانب إلى البيت وظاهرة #الاختلاط التي تفشت في حينه و المقال يأخذ الصفة الشرعية وقد أجاد فيه الكاتب معززاً كلامة بالأدلة من القرآن ومن حديث رسول الله
من العادات الممقوتة: تساهل المسلمين في دخول بعضهم على بعض، واختلاط الرجال بالنساء مع عدم الحجاب.
وهي بدع محرمة بالكتاب والسنة، قال الله تعالى:
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)
فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28)]النور.
فرعايةً لحرمة النساء، وصوناً للأعراض، ومحافظةً على حقِّ المسلم في التمتع بما أباح الله له من الحرية في بيته حرم الله _ عز وجل _
على كل مؤمن أن يدخل بيتاً غير بيته قبل أن يستأذن أهله ويسلم عليهم، فإن أذنوا في الدخول دخل وإلا رجع.
وذلك أن كل إنسان في مسكنه له حالات خاصة قد لا يحب أن يطلع عليها أحد من الناس، ولو كان ألصق الناس به وأقربهم إليه.
فلو أبيح للطارق أن يقتحم البيت على أهله من غير استئذان لفاجأهم بما يكرهون، ودهمهم بما يؤلمهم.
وقد يطلع على ربة البيت وهي مكشوفة الرأس عارية بعض البدن، وفي ذلك _ زيادة على الفتنة له والإيذاء لصاحبه _ ما لا يخفى من العواقب السيئة والنتائج المحزنة،
ولهذه الحكمة الجليلة بعينها حرمت الشريعة الغرَّاء على الإنسان أن ينظر في بيت غيره قبل الاستئذان،
حتى قال الإمام الشافعي : لو فقئت عينه في هذه الحالة فهي هدر؛ تمسكاً بحديث سهل بن سعد قال:
اطلع رجل من جحر _ ثقب مستدير _ في حجرة النبي “ومع النبي “مِدْرًى يحك بها رأسه _ بكسر الميم وسكون الدال وتنوين الراء حديدة يسرح بها الشعر،
وقال الجوهري: شيء كالمسلة يكون مع الماشطة تصلح بها قرون النساء قال:
لو أعلم أنك تنظر لطعنت به _ أي المدرى وهو يذكر ويؤنث _ في عينيك إنما جعل الاستئذان (أي شُرِع) من أجل البصر (لئلا يقع على أهل البيت ويطلع على أحوالهم)
رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي
الاستئذان صيانة للأعراض
فتحصَّل من هذا أن السِّرَّ في إيجاب الاستئذان هو صيانة الأعراض، والمحافظة على القلوب وقد وردت السنة بلزوم تكراره ثلاث مرات؛ حتى يتمكن أهل البيت من إصلاح شؤونهم، وستر أمورهم.
ففي الحديث الشريف عن النبي “: الاستئذان ثلاث بالأولى يستنصتون، وبالثانية يستصلحون، وبالثالثة يأذنون أو يردُّون.
وقال “: إذا استأذن أحدكم ثلاثاً، فلم يؤذن له فليرجع.
ولا تظن أن الاستئذان خاص بالأجانب دون الأقارب؛ فإن الخطاب في الآية عام لجميع المؤمنين فيستوي فيه القريب والأجنبي ويلزم به الأب، والابن، والعم، والخال،
جاء رجل إلى النبي “فقال: أستأذن على أمي؟ فقال: نعم، فقال الرجل: إنها لا تجد من يخدمها غيري أفأستأذن عليها؟
فقال “: أتحب أن تراها عريانة؟ قال: لا، قال: فاستأذن وفي ذلك غاية الأدب والكمال.
وكذلك ألزم الله المملوك أن يستأذن على سيِّده، والصبي الحر على مخدومه في أوقات ثلاث هي مظنة لكشف العورات
قال الله _ تعالى _:
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ]النور: 58.
وأباح الدخول بدونه فيما عداها للخادم مملوكاً أو صبيّاً، فإذا جاوز الطفل حدَّ الطفولة، وبلغ مبلغ الرجال لزمه الاستئذان على مخدومه في عموم الأوقات كسائر الأجانب
قال _ تعالى _: [وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ] النور: 59.
بهذه الآداب العالية أدَّب الله المؤمنين؛ لتظلَّ قلوبهم نقيَّة من دنس الشهوات، سليمة من الضغائن والأحقاد.
الناس والعادات : الحكمة من غض البصر
وهذا هو السر في أن الشارع الحكيم أمر الرجال والنساء جميعاً بغض البصر، والبعد عن مواطن الشكوك والريب؛
حيث كان النظر بريد الزنا، ورائد الفتنة، ورسول الفساد والفجور.
وحرم على النساء المسلمات أن يظهرن زينتهن، أو يطلعن الرجال الأجانب على شيء من عوراتهن ومحاسنهن؛
لما في ذلك من الفتنة، وانتشار الفاحشة بين المسلمين، ووقوعهم في مقت الله وغضبه
قال _ تعالى _: [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)
وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ] النور: 30_ 31.
فأنت ترى في هذه الآية الحكيمة أن الله _ تعالى _ قد حرَّم على الرجال النظر إلى النساء الأجنبيات،
وحرَّم على النساء كشف العورات وإظهار الزينات؛ درءاً للمفاسد والفتن، وقطعاً لأطماع النفس الأمارة بالسوء،
وحرصاً على سلامة القلوب من الأذى؛ ليدوم الوفاق ويبقى التضامن.
وبهذا يظهر لك السر في أن الدين الإسلامي قد حرَّم على الرجل مسَّ الأجنبية كما حرَّم عليه مخالطتها والخلوة بها؛
لأن الفتنة في هذا أشد، والمفسدة به أعظم، والشر فيه أقرب،
روى الطبراني بسند صحيح أن رسول الله _ صلوات الله وسلامه عليه _ قال:
لأنْ يُطْعَن في رأس أحدكم بمخيط خير له من أن يمسَّ امرأة لا تحل له.
وروى _ أيضاً _ أن رسول الله _ صلوات الله وسلامه عليه _ قال:
إياكم والخلوة بالنساء، والذي نفسي بيده ما خلا رجل بامرأة إلا ودخل الشيطان بينهما،
ولأنْ يزحم رجلاً خنزير متلطخ بطين أو حمأة خير له من أن يزحم منكب امرأة لا تحلُّ له.
وهو صريح في منع الاحتكاك بالمرأة الأجنبية.
سداً منيعاً
فتبين لك من مجموع هذه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أن الدين القويم قد جعل بين المسلم وبين الفسوق سدّاً منيعاً من الآداب، وحصناً حصيناً من الأوامر والنواهي؛
فهل تأدب المسلمون في هذا العصر المفتون بما أدبهم الله به؟ وهل ابتعدوا عما نهاهم الله عنه؟ وهل تحرزوا مما حذرهم رسول الله “منه؟
وهل عنوا بتعليم نسائهم وبناتهم ما يخصهم من آداب الشرع وأحكام الدين؟ وهل باعدوا بينهم وبين الفجَّار والمفسدين؟.
كل ذلك لم يكن؛ ولذا ترى الشر ينمو والفساد ينتشر، والاختلاط بين الرجال والنساء يزداد يوماً عن يوم،
والجهل بدين الله يضرب أطنابه في الأسر الإسلامية حتى أصبحنا ونحن في تدهور أخلاقي،
وانحلال اجتماعي ينذرنا بأسوأ العواقب، وأفدح الخطوب.
الناس والعادات في البيوت
انظر إلى بيوت الأغنياء تجدها قد زالت من أكثرها الصبغة الإسلامية،
وحلَّت محلَّها العادات الفرنجية التي لا تتفق مع أحكام الدين ومحاسن آدابه في شيء، ولا تلتئم مع العفاف والصيانة بحال من الأحوال.
ترى ربة القصر هناك تخالط خدمَها وحشَمَها وتظهر أمامهم بما أمرها الدين بستره عن الرجال من حليها وزينتها، والسيد الكريم يرى ذلك ولا ينكره ولا يغار له؛
كأن الخادم في نظره جماد لا يهز قلبه سحر الجمال، أو معصوم عن الخنا لا يفتنه النظر إلى ربات الحجال.
ترى سائقي العربات والسيارات وهم يذهبون بالعقائل والمخدرات للرياضة في مختلف الأماكن البعيدة وليس هذا إلا خلوة بالأجنبيات، يعدها الشرع الشريف من كبائر المنكرات.
ثم انظر إلى بيوت المتوسطين والفقراء تجد المرأة تخالط أقارب زوجها، وأولاد أعمامها، وأخوالها، وأولاد جيرانها،
وقد تظهر أمامهم في ثيابها الرقيقة أو القصيرة حاسرة عن رأسها كاشفة عن ذراعيها وصدرها كأنها ليست من جماعة المسلمين.
وربما ظهرت بهذا المنظر الفاضح للسَّقَّاء، واللَّبَّان، والطَّحَّان، والفرَّان، ولباعة الفواكه والخضروات المتجوِّلين في الأزقة والحارات.
وكان حقًّا عليها _ لو أنها حافظت على آداب دينها _ أن تحتجب عن هؤلاء وأمثالهم؛ اتقاءً للفتنة، وتباعداً عن الفساد والشر؛ فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق،
وقبيح أن تكون نساء المسلمين على هذا الحال بعد أن أوجب الله عليهن في كتابه الكريم أن يسترن زينتهن عن أنظار الرجال جميعاً ما عدا أزواجهن، والمحارم من أقاربهن، ومن يأمَنَّ فِتْنَتَه من أتباعهن ومماليكهن،
قال _تعالى_:
[وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ]
(النور: 31)
الجرأة على انتهاك حرمات الله
وأقبح من ذلك أن يجترئ الرجال على انتهاك حرمات الله _ تعالى _ بالدخول على النساء بعد أن ألزمهم الله _ عز وجل _ برعاية الحجاب الذي هو الضمان الوحيد للعفاف والطهارة
خصوصاً في هذا الزمان الذي كثر فيه الفسوق والعصيان.
قال _ تعالى _: [وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ].
وقال _ صلوات الله وسلامه عليه :
إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ فقال “: الحمو الموت متفق عليه.
استفهم الأنصاري عن الحمو _ وهو قريب الزوج كأخيه وابن أخيه وابن عمه_ أيمنع من الدخول على النساء كما يمنع غيره من الأجانب والغرباء؟
فأجابه النبي _ عليه الصلاة والسلام _ بأن دخول الحمو على الزوجة أشد بلاءاً وأعظم فتنة من دخول غيره؛
لأنه قد يستخدم صلته بالزوج في تنفيذ مقاصده السيئة، ومآربه الخبيثة،
وإن مثله في فك روابط الزوجية وإفساد نظام الحياة المنزلية كمثل الموت في إبطال حركة الأجسام، وتفريق أجزاء الأبدان.
ولقد صدق رسول الله “فكم شاهدنا من بيوت قد خربت بعد عمرانها، وأُسَرٍ قد اختلت بعد تماسك وَحْدَتِها وحسن نظامها،
وكم رأينا من محبة وصفاء قد تحولا إلى عداوة وجفاء، ولم يكن لذلك من سبب إلا اختلاط الأجانب وأقارب الأزواج بالزوجات؛
فهل آن للمسلمين أن يستبدلوا الشك باليقين، ويتبصروا في عاقبة التساهل، ويأخذوا بآداب الدين ويتخلقوا بأخلاقه؟
هل آن لهم أن يفيقوا من سكرتهم، ويتنبهوا من غفلتهم؛ فيعلموا أن فلاحهم موقوف على الرجوع إلى أحكام دينهم، وعلى العمل بسنة نبيهم |
|
|
|