(إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيهِ (فمه) أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. رواه البخاري (5927)، ومسلم (1151) واللفظ له.
فضل الصيام
هذا الحديث دليل على فضل الصيام وعظيم منـزلته عند الله تعالى، وقد جاء في هذا الحديث أربع من فضائل الصوم الكثيرة.
الأولى:
أن الصائمين يوفون أجورهم بغير حساب، فإن الأعمال كلها تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد بل يضاعفه الله عز وجل أضعافاً كثيرة. فإن الصيام من الصبر، وقد قال الله تعالى: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب .
قال الأوزاعي: " ليس يوزن لهم ولا يُكال، إنما يغرف غرفاً
الثانية:
أن الله تعالى أضاف الصوم إلى نفسه من بين سائر الأعمال، وكفى بهذه الإضافة شرفاً، وهذا والله أعلم لكونه يستوعب النهار كله، فيجد الصائم فقد شهوته، وتتوق نفسه إليها وهذا لا يوجد بهذه المدة في غير الصيام لا سيما في نهار الصيف لطوله وشدة حره. وترك الإنسان ما يشتهيه لله تعالى هو عبادة مقصودة يثاب عليها، ولأن الصيام سر بين العبد وربه لا يطلع عليه إلا الله تعالى، فهو عمل باطن لا يراه الخلق ولا يدخله رياء.
الثالثة:
أن الصائم إذا لقي ربه فرح بصومه ؛ وذلك لما يراه من جزائه وثوابه، وترتب الجزاء عليه بقبول صومه الذي وفقه الله له. وأما فرحه عند فطره فلتمام عبادته وسلامتها من المفسدات، وحصول ما مُنع منه مما يوافق طبيعته، وهذا من الفرح المحمود لأنه فرح بطاعة الله، وتمام الصوم الموعود عليه الثواب الجزيل كما قال تعالى: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا.
الرابعة:
أن رائحة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وهذا الطيب يكون يوم القيامة لأنه الوقت الذي يظهر فيه ثواب الأعمال، لرواية أطيب عند الله يوم القيامة مسلم (163).
كما يكون ذلك في الدنيا لأنه وقت ظهور أثر العبادة لرواية ولخلوف فم الصائم حين يخلف من الطعام أطيب عند الله من ريح المسك ابن حبان (8/211).
قال ابن حبان رحمه الله: "شعار المؤمنين في القيامة التحجيل بوضوئهم في الدنيا فرقاً بينهم وبين سائر الأمم، وشعارهم في القيامة بصومهم طيب خلوفهم أطيب عند الله من ريح المسك ليُعرفوا بين ذلك الجمع بذلك العمل نسأل الله بركة ذلك اليوم." انتهى من "صحيح ابن حبان" (8/211).
ومن فضائل الصيام أن الله تعالى اختص الصائمين بباب من أبواب الجنة لا يدخل منه غيرهم إكراماً لهم، فقد روى سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: إن في الجنة باباً يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد رواه البخاري (1896)، ومسلم (1152) ومن دخل شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا "صحيح ابن خزيمة" (1903).
لكن هذه الفضائل لا تكون إلا لمن صام مخلصاً عن الطعام والشراب والنكاح، وصام عن السماع المحرم والنظر عن المحرم والكسب عن المحرم، فصامت جوارحه عن الآثام ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور.
فهذا هو الصوم المشروع المرتب عليه الثواب العظيم، و إلا فقد قال النبي ﷺ: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه رواه البخاري (1903).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول اللهﷺ: رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر رواه أحمد (8693)، وابن ماجه (1690).
المرجع
أحاديث الصيام للفوازان ص(27) |
|
|
|