قصة عاقبة الغدر
بدأ الناس يدخلون في دين الله أفواجاً وياتون الي رسول الله صلي الله عليه وسلم من شتي انحاء الجزيرة، ووفد بنو عامر فيمن وفد ومعهم اثنان من كبرائهم هما عامر بن الطفيل وأربد بن قيس .. كان عامر مغروراً ومعانداً وقد جاء وهو يريد أن يغدر بالنبي صلي الله عليه وسلم فقال له قومه : يا عمر إن الناس قد اسلموا فأسلم، واننا لا نري لك وانت كبير من كبرائنا وصاحب رأي فينا الا ان تؤمن بمحمد وبما جاء به .
ولكنه نظر إليهم بغرور وكبرياء، وهو يقول: كيف أسلم، وارتضي أن أتبع هذا الفتى من قریش؟ وكيف أسمع له وأطيع أمره، وأخضع لما يدعو إليه !! وانا انتظر أن يتبعني الناس ، ويقفوا عند رأيي !! عجبا لكم أيها القوما أتطلبون إلي أن أفعل مالا يليق بأمثالي من الكبراء والرؤساء وأومن كما آمن الفقراء والمساكين !! فقال له أحدهم: ولكن الذين آمنوا بمحمد، فيهم الغني والفقير، وفيهم الضعيف والقوي؟؟ فرد عامر بغلظة وغضب: لا أفعل أبدأ.. وسترون ما أصنع بعد ذلك.
نظر القوم بعضهم إلى بعض ، وقد دهشوا لما قاله عامر، وأحسوا أنه يضمر في نفسه أمرأ. وخرج عامر غاضبة، يتبعه صاحبه وموضع سره اربد بن قيس بعيدا عن القوم. قال عامر: أسمعت ما قال القوم یا اربد؟ إنهم يريدون أن نتبع هذا الرجل القرشي قال أريد : لا نفعل ذلك أبدأ ؟؟ قال عامر : يعجبني رأيك يا أربد ، وكم أتمنى لو أن قومنا كانوا مثلك ؟ قال اربد : وماذا نفعل؟ إن القوم قادمون إلى محمد ليسلموا ضحك عامر بخبث ، ووضع يده على كتف أربد ، مشجعا له على المضي معه في العناد والكبر وقال : لم يتغير رأيي فيك، ولازلت في نظري عارفة قدر نفسك، فإذا قابلنا محمد ، فسأشغله بالحديث وتفاجئه انت بضربة من سيفك. فنتخلص منه ومن دعوته، فرح أربد لهذه الخطة ونظر إلى عامر معجبة، وهو يقول له حق، لقد أصاب من سماك الشيطان ! اتفقنا – یا عامر – ولسوف ترى ما أصنع بمحمد عند اللقاء به .
وحين التقى عامر برسول الله – صلى الله عليه وسلم – جعل يحتال ليصرف وجهه نحوه، كي ينشغل بالحديث معه، بينما كان ينتظر من أربد أن يفاجئه بضربة سيف كما اتفقا من قبل. ومضى عامر يحاور النبي – صلى الله عليه وسلم ويقول : اتخذني يا محمد خليلاً وصديقاً لك، واجعلني موضع ثقتك فأنا كبير القوم، واستمر يصر علي النبي صلي الله عليه وسلم في قوله محاولاً شغله لأطول فترة ممكنه، فرد عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم قائلاً : لا والله حتي تؤمن بالله وحده لا شريك له .. كان عامر ينتظر أن يفعل أربد ما اتفقا عليه لقتل رسول الله صلي الله عليه وسلم، إلا ان اربد لم يتحرك، فأعاد عامر قوله لعل اربد ينتهز الفرصة من جديد لاشغال النبي معه بالحديث فيستل سيفه ويطعنه، وبقي اربد مكانه لا يفعل شيئاً حتي تأكد عامر أن خطته قد فشلت تماماً، فصاحبه اربد واقف في مكانه والرسول افهمه انه لا يتخذ من يشرك بالله عز وجل صديقاً او خليلاً، في هذه اللحظة فقط كشف عامر عما في قلبه وبدأ يهدد ويتوعد رسول الله صلي الله عليه وسلم قائلاً : اما والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً ، وخرج يتبعه اربد فقال الرسول : اللهم اكفني عامر بن الطفيل .
وبمجرد أن ابتعد قليلاً التفت عامر الي اربد في غضب شديد وقال : ويلك يا اربد، لماذا لم تنفذ ما اتفقنا عليه ؟ لقد شغلت محمد كما اتفقنا ولكنك لم تفاجئه بالسيف، فلماذا ؟ ثم تغيرت نبرات صوته الي السخرية وهو يقول : لقد كنت في نظري رجلاً مخيفاً حتي انني كنت اخاف علي نفسي منك، ولكنك قد جبنت فلم اعد احسب لك حساباً، ابتلع اربد ريقه في صعوبة، وقال بصوت ضعيف تبدو عليه مظاهر الخوف والفزع جلية : لا تعجل في الحكم علي يا عامر، لقد حاولت كثيراً ان استل سيفي وافاجئ محمداً بضربة منه ، ولكني كلما هممت ان افعل ذلك رأيتك مكانه، وقد حدث ذلك عدة مرات، فكيف اضربك ؟ كيف ؟!
خاب ترتيب عامر وأربد، وبقي النبي صلي الله عليه وسلم آمناً يدعو الي الله سبحانه وتعالي، وبينما كان عامر في طريق العودة الي بلاده مع اربد وآخرين اصابه الله بالطاعون في عنقه، فأصبح يتلوي من شدة الالم، ثم مات وقد انتفخت رقبته فحفر له اصحابه حفره ودفنوه فيها وانطلقوا الي قومهم .
ولما وصل اربد تهافت عليه الناس يعرفوا ما حدث له ولصحابه، فكان لا يجيبهم بشئ ويكتفي بقول : لا شئ .. لا شئ ، ثم صمت وصمتوا حتي فاجأهم بكلام يحمل الحقد علي محمد ودعوته قائلاً : لقد دعانا الي عبادة الإله الواحد، وترك ما نحن عليه وما ورثناه عن ابنائنا، لكم اتمني لو انه عندي الآن فأرميه بالنبل حتي اقتله ثم اخذ بزمام ناقته ومضي .
ولم يمر سوي يومين حتي عاجله الله بعقوبه كما فعل بصاحبه عامر فقد خرج أربد في يوم شديد الحر ومعه جمله وما ان تجاوز قومه حتي نزلت صاعقة من السماء بأمر الله سبحانه وتعالي لتحرقهما معاً، وكفي الله نبيه عامراً واربد فماتا شر ميته، ولم ينالا خيراً واستمرت الوفود تتوالي علي المدينة ليعلن الناس عن اسلامهم بين يدي النبي صلي الله عليه وسلم |
|
|
|