أبو محمد سعيد بن المسيب بن حزن القرشي المخزومي، سيد التابعين علمًا وعملًا وعبادة وفقهًا، وفضلًا وورعًا وزهدًا، وهو من أبناء الصحابة، أبوه وجده صحابيان، عالم أهل المدينة بلا مدافعة، وسيد التابعين في زمانه، الملقَّب فقيه الفقهاء، وعالم العلماء.
وُلد في المدينة النبوية في خلافة عمر بن الخطاب سنة 13 للهجرة، وأخذ العلم عن نحو ستين صحابيًّا؛ كعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وسعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وابن عمر، وعائشة، وأبي هريرة، وكان زوج بنت أبي هريرة، وأعلم الناس بحديثه، وكان أعلمَ الناس بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم وقضاء أبي بكر وعمر وعثمان، وكان يفتي والصحابة أحياء، وكان عبد الله بن عمر بن الخطاب إذا سُئل عن شيء يشكل عليه يقول: سلوا سعيد بن المسيب؛ فإنه قد جالس الصالحين.
وقال علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: سعيد بن المسيب أعلم الناس وأفقههم.
وقال مكحول: طفت الأمصار كلها أطلب العلم، ما لقيت رجلًا أعلم من سعيد بن المسيب.
وقال علي بن المديني: لا أعلم في التابعين أحدًا أوسع علمًا من ابن المسيب، هو عندي أََجَلُّ التابعين.
وقال أحمد بن حنبل: أفضل التابعين سعيد بن المسيب.
وقال أحمد بن حنبل وغير واحد من حفاظ الحديث: مرسلات سعيد بن المسيب صِحاحٌ.
قال سعيد بن المسيب: كنت أَسير الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد، وما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد، وحججت أربعين حجة.
وكان سعيد بن المسيب من العباد الزهاد، وكان يسرد الصوم، ويُفطر أيام العيدين والتشريق، ويكثر من صلاة النافلة في البيت، وكان من قراء القرآن، وممن عرض عليه القرآن محمد بن شهاب الزهري، وكان سعيد من أعبر الناس للرؤيا، وكان يحب سماع الشعر، وكان يكره كثرة الضحك، وكان يصافح كل من لقِيه، وكان يعظ الناس ويذكِّرهم، ويكثر أن يقول: اللهم سلِّم سلِّم.
وكان سعيد بن المسيب يشتغل بتجارة الزيت، ويكثر الدخول في السوق، وكان يقول: لا خير فيمن لا يريد جمع المال من حلِّه، يعطي منه حقَّه، ويكف به وجهَه عن الناس.
وكان سعيد بن المسيب ساخطًا على بني أمية بسبب ظلمهم، وكان لا يأخذ من بيت المال عطاءه، وكان إذا دُعِي لأخذ حقه يأبى ويقول: لا حاجة لي فيها، حتى يحكم الله بيني وبين بني مروان، وقال: ما أصلي صلاة إلا دعوت الله على بني مروان.
وكان قوالًا بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد ضربه والي المدينة في عهد عبد الله بن الزبير ستين سوطًا، ثم ضربه والي المدينة في عهد عبد الملك بن مروان وسجنه، ثم أخرج من السجن ونُهي الناس عن مجالسته، فلم يكن يجالسه أحد في آخر حياته.
وكان سعيد بن المسيب ينهى عن سب الصحابة رضي الله عنهم، وإذا سئل عن ما جرى بين الصحابة من الفتنة يقول: أقول فيهم ما قوَّلني ربي: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].
روى العلم عن سعيد بن المسيب كثير من التابعين وأتباعهم، كسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، ومحمد بن شهاب الزهري، وقتادة بن دعامة، وأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين الباقر، والقاضي يحيى بن سعيد الأنصاري، وبلغ عدد الرواة الذين رَوَوْا عنه الحديث نحو 160 راويًا.
توفِّي سعيد بن المسيب رحمه الله في المدينة النبوية سنة 94 هجرية وعمره 80 عامًا.