صباح الخير يا حلوه
صباح الخير يا قديستي الحلوه
مضى عامان يا أمي
على الولد الذي أبحر
برحلته الخرافيه
وخبأ في حقائبه
صباح بلاده الأخضر
وأنجمها وأنهرها وكل شقيقه الأحمر
وخبأ في ملابسه
طرابينا من النعناع و الزعتر
و ليلة دمشقية
أنا وحدي
دخان سجائري يضجر
ومني مقعدي يضجر
وأحزاني عصافير
تفتش بعد عن بيدر
عرفت نساء اوروبا
عرفت عواطف الأسمنت والخشب
عرفت حضارة التعب
وطفت الهند طفت السند طفت العالم الأصفر
و لم أعثر
على إمرأة تمشط شعري الأشقر
وتحمل حقيبتها
إلى عرائس السكر
وتكسوني إذا أعرى
وتشلني أذا أعثر
أيا أمي
أيا أمي
انا الولد الذي أبحر
ولا زالت بخاطره عروسه السكر
فكيف فكيف يا أمي
غدوت أبا ولم أكبر
صباح الخير من مدريد
ما أخبارها الفله
بها أوصيك يا أماه
تلك الطفلة الطفله
فقد كانت أحب حبيبة لأبي
يدللها كطفلته
ويدعوها إلى فنجان قهوته
ويسقيها
ويطعمها
ويغمرها برحمته
ومات أبي
ولا زالت تعيش بحلم عودته
وتبحث عنه في أرجاء غرفته
وتسأل عن عباءته
وتسأل عن جريدته
وتسأل حين يأتي الصيف
عن فيروز عينيه
لتنثر فوق كفيه
دنانير من الذهب
سلامات
سلامات
إلى بيت سقانا الحب والرحمه
إلى أزهارك البيضاء فرحة ساحة النجمة
إلى تختي
إلى كتبي
إلى أطفال حارتنا
وحيطان ملأناها
بفوضى من كتابتنا
إلى قطط كسولات
تنام على مشارقنا
وليلكة معرشة
على شباك جارتنا
مضى عامان يا أمي
ووجهة دمشق
عصفور يخربش في جوانحنا
يعض على ستائرنا
و ينقرنا
برفق من أصابعنا
مضى عامان يا أمي
وليل دمشق
فل دمشق
دور دمشق
تسكن في خواطرنا
ماذنها تضيء على مراكبنا
كأن ماذن ألاموي
قد زرعت بداخلنا
كأن مشاتل التفاح
تعبق في ضمائرنا
كأن الضوء والاحجار
جاءت كلها معنا
أتى أيلول يا أماه
وجاء الحزن يحمل لي هداياه
ويترك عند نافذتي
مدامعه وشكواهأ
أتى ايلول أين دمشق
أين أبي وعيناه
وأين حرير نظرته
وأين عبير قهوته
سقى الرحمن مثواه
وأين رحاب منزلنا الكبير
وأين نعماه
وأين مدارج الشمشير
تضحك في زواياه
وأين طفولتي فيه
أجرجر ذيل قطته
واكل من عريشته
وأقطف من بنفشاه
دمشق دمشق
يا شعرا
على حدقات أعيننا كتبناه
ويا طفلا جميلا
من ضفائرنا سلبناه
جثونا عند ركبته
وذبنا في محبته
إلى أن في محبتنا قتلناه
نزار قباني