تخيل أنك واقف في صف تنتظر دورك، عندما تصل إلى المحاسب تشعر بمن يلمس كتفك، وتلتفت فإذا شخص يطلب منك أن يتقدم عليك ويحاسب، ماذا ستفعل؟ أظن أن كثيرين سيرفضون.
والآن تخيل الموقف نفسه لكن الفرق أن ذاك الشخص الآن أضاف: “لأني أشعر بألم مفاجئ وأريد أن آخذ الطلب لأذهب لبيتي وأتناول المسكن”، ما ردة فعلك الآن؟ سيحصل العكس، فالأغلبية أو الكل سيتعاطف مع هذا الشخص ويسمح له بأن يتقدم.
ما السبب؟ قد تقول: لقد أعطاني سببًا وجيهًا في الحالة الثانية؛ لذلك سمحت له، أما في الحالة الأولى فقد أراد أن يتقدم على مكاني في الصف بلا سبب. لكن حتى لو أعطاك أي سبب آخر، فالاحتمال الأرجح أنك ستسمح له؛ لأن عقلك يعمل تحت تأثير ما يسمى النص الذهني، ونص هنا تعني سيناريو؛ أي أسطرًا بترتيب معين. يقول خبراء علم النفس الإدراكي إن كثيرًا من تصرفاتنا اليومية تحصل وِفقَ نص عقلي، نفعلها بدون تفكير.
كتجربة لهذه الفكرة جلس باحث في مكتبة وراقب الطابعة، فإذا أتاها شخص ذهب الباحث بسرعة إليها وتخطى الشخص قائلًا: عفوًا، لدي خمس صفحات، هل تسمح بأن أستخدم الطابعة؟ ولم يعطِ أي تبرير لهذا الاقتحام. هنا رفض 40% من الناس أن يسبقهم الباحث، ثم فعل الباحث التصرف نفسه مع آخرين لكنه أضاف شيئًا إلى كلامه، فقال: عفوًا، لدي خمس صفحات، هل تسمح بأن أستخدم الطابعة لأني مستعجل؟ هنا انخفض عدد الرافضين إلى 6%. هذا معقول لكن ظن الباحثون أن هناك سببًا آخر، وهو أنه ربما الناس لم يقيّموا الموقف عقلانيًا ويقرروا السماح به، ربما هم آليًا وبلا تفكير يتبعون نصًا ذهنيًا، والسيناريو الذي يمليه عليك عقلك كما يلي: إذا طلب شخص منك شيئًا بدون تبرير، فقل لا، أما من يطلب منك خدمة صغيرة ويعطي سببًا – أي سبب – فوافِق. وقد جرب الباحث تغيير السبب من “لأني مستعجل” إلى “لأني أريد نسخ هذه الأوراق”، فكانت نسبة الرفض 7%، فلاحظ كيف أنه حتى السبب السخيف (أي سبب “لأني أريد نسخ الأوراق”، وهو سبب كل الناس نفسه الذين يريدون تصوير الأوراق!) كان مساويًا في العقول لسببٍ مقبول وهو كون الشخص مستعجلًا.
نص ذهني يسيّرنا بلا شعور، يبدو أننا في بعض الأمور نشبه الروبوتات.