قال أبو تمّام: “السيف أَصْدَقُ إِنْبَاءً من الكتب”، قالها يمدح المعتصم الذي فتح مدينة عمورية الرومية، ويقصد بكلمة الكتب نبوءات المنجمين والذين حذروا المعتصم وتطيروا بقراره، غير أنه مضى وأعمل السيف في المدينة الحصينة ثأراً من غارة رومية غادرة فاجأت المسلمين قبل ذلك.
صدق أبو تمام، وكما أن السيف حقيقة تفرض واقعيتها فكذلك أشياء أخرى قد لا تُعطى نصيبها من الأهمية لكنها تفرض صحتها في النهاية، منها شيء تستخدمه أنت الآن في هذه اللحظة: عيناك. هل تعلم كم تُنبئ عنك عينك لخبير يتتبعها؟ قل ما شئتَ من الكلام المنمق الرصين لكن العين لها لغتها الفصيحة كما يقول خبراء لغة الجسد، بل هي أبلغ مما يتلفظ به اللسان، ومن أبرز ما ينتبهون إليه حجب العينين، وهي من الطرق التي تفيد أن هناك شعوراً سلبياً يمر به المرء، وتشمل حركات مثل تضييق العينين (كما تفعل إذا واجهتَ نوراً قوياً) أو إغماضهما أو حجبهما باليد، وهذا تصرف لا إرادي قد يكون الهدف منه حماية العينين من أن تريا شيئاً غير مرغوب، كشيء سلبي يثير الضيق أو القلق، حتى لو قلتَ لمن أمامك: إنك مرتاح فلو فعلت شيئاً يحجبهما فإنك لا شعورياً تُرسل معنىً آخر.
حقّق أحد خبراء لغة الجسد في قضية جنائية وهي حريق اشتعل في فندق أميركي قتل 97 شخصاً، وكان واضحاً أنه مُتعمَّد، واشتبه المحققون في أحد الحراس بالذات لأنه لم يكن موجوداً لما ثار الحريق، وراقب المؤلف لغة جسد ذاك الحارس أثناء التحقيق مُركِّزاً على عينيه، ولاحظ أنه لم يتوتر ولم يضطرب لما سُئل: “هل أنت أشعلت النار؟”، فكان يجيب بالنفي بثقة وهدوء، غير أنه إذا سألوه: “أين كنتَ لما اشتعلت النار؟” بدأ يستخدم تصرفات حجب العينين، وعلموا فيما بعد أنه لم يكن هو من أشعل النار، ولكنه لم يكن في منطقته التي كان عليه أن يحرسها، واستغل المجرمون هذا فأتوا عبر تلك المنطقة وأشعلوا النار في الفندق.
حركة عين بسيطة تنقض أطناناً من الكلام، هل نستطيع أن نقول إن الأعين أصدق إنباءً من الألسن؟