ثمرات الإنفاق في سبيل الله
الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا إله سواه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الذي اصطفاه واجتباه وهداه، صلى الله عليه وعلى آله، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فإن إنفاق المال في أبواب الخير المختلفة له ثمرات مباركة، تعود بالخير على صاحبها في الدنيا، ويوم القيامة؛ فأقول وبالله تعالى التوفيق:
قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 261، 262].
• قال الله تبارك وتعالى: ﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [الحديد: 7].
• روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعْطِ منفقًا خَلَفًا، ويقول الآخر: اللهم أعْطِ ممسكًا تَلَفًا))؛ [البخاري، حديث 1442، مسلم، حديث 1010].
• روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله: أنْفِقْ يا بن آدم، أُنْفِقْ عليك))؛ [البخاري، حديث 5352، مسلم، حديث 993].
• قوله: (أَنْفِقْ أُنْفِقْ عليك)؛ قال الإمام النووي رحمه الله: "هو معنى قوله عز وجل: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾ [سبأ: 39]، فيتضمن الحث على الإنفاق في وجوه الخير، والتبشير بالخلف من فضل الله تعالى"؛ [صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 4، ص: 87].
• روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن تصدَّق بعدلِ تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يُربيها لصاحبه، كما يُربي أحدكم فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل))؛ [البخاري، حديث 1410، مسلم، حديث 1014].
• قوله: (فَلُوَّه)؛ أي: الحصان الصغير.
ثـمرات الإنفاق في سبيل الله تعالى:
نستطيع أن نوجز ثـمرات الإنفاق في سبيل الله تعالى في الأمور الآتية:
1- الإنفاق في سبيل الله تعالى طُهرة لنفس المسلم، وقُربة إلى الله عز وجل.
2- الإنفاق في سبيل الله تعالى طريقٌ إلى محبة الله تعالى ورضوانه على المسلم في الدنيا والآخرة.
3- الإنفاق في سبيل الله تعالى يحفظ المسلم في ماله وأهله.
4- الإنفاق في سبيل الله تعالى دليل على الزهد في الدنيا.
5- الإنفاق في سبيل الله تعالى باب من أبواب التكافل الاجتماعي.
6- الإنفاق في سبيل الله تعالى يساعد المسلم على اكتساب محبة الناس واحترامهم؛ [موسوعة نضرة النعيم، ج: 6، ص: 25 - 29].
سقيُ الماء:
قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ﴾ [الفرقان: 48، 49].
• قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "قوله: ﴿ لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا ﴾ [الفرقان: 49]؛ أي: أرضًا قد طال انتظارها للغيث، فهي هامدة لا نبات فيها ولا شيء، فلما جاءها المطر، عاشت واكتست رُباها أنواع الأزاهير والألوان.
• قوله: ﴿ وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ﴾ [الفرقان: 49]؛ أي: ليشرب من الماء أنعام، وناس محتاجون إليه غاية الحاجة؛ لشربهم وزروعهم وثمارهم؛ [تفسير ابن كثير، ج: 6، ص: 115].
• قال سبحانه: ﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5].
• قوله: ﴿ هَامِدَةً ﴾: أي: ميتة.
• قوله: ﴿ اهْتَزَّتْ ﴾: أي: تحركت بالنبات.
• قوله: ﴿ وَرَبَتْ ﴾: أي: ارتفعت لما سكن فيها التراب.
• قوله: ﴿ وَأَنْبَتَتْ ﴾: أي: أخرجت الأرض ما فيها من ثمار وزروع، وأشتات النباتات في اختلاف ألوانها وطعومها، وروائحها وأشكالها ومنافعها؛ [تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 398].
روى النسائي عن سعد بن عبادة رضي الله عنه، قال: ((قلت: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء))؛ [حديث حسن، صحيح النسائي، للألباني، ج: 2، ص: 560، حديث: 3667].
إطعام الناس:
قال سبحانه: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 8، 9].
• روى الترمذي عن عبدالله بن سلام رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أيها الناس، أفشوا السلامَ، وأطعِموا الطعام، وصلُّوا والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام))؛ [حديث صحيح، صحيح الترمذي، للألباني، حديث: 2019].
• قوله: (أفشوا السلام): أي: أظهروه وأكثروه على من تعرفونه، ومن لا تعرفونه.
• قوله: (وأطعموا الطعام): أي: لِنحوِ المساكين والأيتام.
• قوله: (وصِلُوا الأرحام): أي: ولو بالسلام.
• قوله: (وصلُّوا بالليل)؛ أي: أوله وآخره.
• قوله: (والناس نيام)؛ أي: لبعده عن الرياء والسمعة؛ [مرقاة المفاتيح، علي الهروي، ج: 4، ص: 1341].
الصدقة على الأقارب:
اسم الصدقة:
سميت الصدقة الخالصة لله تعالى صدقة؛ لأنها تدل على صدق إيمان صاحبها.
• روى الشيخان عن زينب امرأة عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما، قالت: ((كنت في المسجد، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: تصدَّقْنَ ولو من حُليِّكن، وكانت زينب تنفق على عبدالله، وأيتام في حجرها، قال: فقالت لعبدالله: سَلْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أيجزي عني أن أنفق عليك، وعلى أيتام أبناء أخيها في حجري من الصدقة؟ فقال: سَلِي أنتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فوجدتُ امرأةً من الأنصار على الباب، حاجتها مثل حاجتي، فمرَّ علينا بلال، فقلنا: سَلِ النبي صلى الله عليه وسلم، أيجزي عني أن أنفق على زوجي، وأيتام لي في حجري؟ وقلنا: لا تخبر بنا، فدخل فسأله، فقال: من هما؟ قال: زينب، قال: أي الزيانب؟ قال: امرأة عبدالله، قال: نعم، لها أجران؛ أجر القرابة، وأجر الصدقة))؛ [البخاري، حديث: 1466، مسلم، حديث: 1000].
• روى النسائي عن سلمان بن عامر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان؛ صدقة، وصلة))؛ [حديث صحيح، صحيح النسائي، للألباني، حديث: 2581].
إنفاق المرأة من بيت زوجها:
• روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أنفقتِ المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن الخادم مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئًا))؛ [البخاري، حديث: 1425، مسلم، حديث: 1024].
• قوله: (أنفقت): أي: تصدقت.
• قوله: (من طعام بيتها غير مفسدة): أي: غير مسرفة في الإنفاق.
• قال الإمام النووي رحمه الله: "أشار صلى الله عليه وسلم إلى أنه قدْرٌ يُعلم رضا الزوج به في العادة، ونبَّه بالطعام أيضًا على ذلك؛ لأنه يُسمح به في العادة، بخلاف الدراهم والدنانير في حق أكثر الناس، وفي كثير من الأحوال"؛ [صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 7، ص: 113].
• روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها، عن غير أمره، فلها نصف أجره))؛ [البخاري، حديث: 2066].
• قوله: (عن غير أمره): قال الإمام النووي رحمه الله: "معناه: من غير أمره الصريح في ذلك القدْرِ المعين، ولا يكون معها إذًا عام سابق، متناول لهذا القدر وغيره، وذلك الإذن إما بالصريح، وإما بالعرف"؛ [صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 7، ص: 112].
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع بهذا العمل طلاب العلم الكرام، وأرجو كل قارئ كريم أن يدعو الله سبحانه لي بالإخلاص، والتوفيق، والثبات على الحق، وحسن الخاتمة؛ فإن دعوة المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب مستجابة، وأختم بقول الله تعالى: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.