باب التوبة
قَالَ العلماءُ: التَّوْبَةُ وَاجبَةٌ مِنْ كُلِّ ذَنْب، فإنْ كَانتِ المَعْصِيَةُ بَيْنَ العَبْدِ وبَيْنَ اللهِ تَعَالَى لاَ تَتَعلَّقُ بحقّ آدَمِيٍّ، فَلَهَا ثَلاثَةُ شُرُوط:
أحَدُها: أنْ يُقلِعَ عَنِ المَعصِيَةِ.
والثَّانِي: أَنْ يَنْدَمَ عَلَى فِعْلِهَا.
والثَّالثُ: أنْ يَعْزِمَ أَنْ لا يعُودَ إِلَيْهَا أَبَدًا. فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُ الثَّلاثَةِ لَمْ تَصِحَّ تَوبَتُهُ.
وإنْ كَانَتِ المَعْصِيةُ تَتَعَلقُ بآدَمِيٍّ فَشُرُوطُهَا أرْبَعَةٌ: هذِهِ الثَّلاثَةُ، وأنْ يَبْرَأ مِنْ حَقّ صَاحِبِها، فَإِنْ كَانَتْ مالًا أَوْ نَحْوَهُ رَدَّهُ إِلَيْه، وإنْ كَانَت حَدَّ قَذْفٍ ونَحْوَهُ مَكَّنَهُ مِنْهُ أَوْ طَلَبَ عَفْوَهُ، وإنْ كَانْت غِيبَةً استَحَلَّهُ مِنْهَا، ويجِبُ أنْ يَتُوبَ مِنْ جميعِ الذُّنُوبِ، فَإِنْ تَابَ مِنْ بَعْضِها صَحَّتْ تَوْبَتُهُ عِنْدَ أهْلِ الحَقِّ مِنْ ذلِكَ الذَّنْبِ، وبَقِيَ عَلَيهِ البَاقي. وَقَدْ تَظَاهَرَتْ دَلائِلُ الكتَابِ، والسُّنَّةِ، وإجْمَاعِ الأُمَّةِ عَلَى وُجوبِ التَّوبةِ:
قَالَ الله تَعَالَى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وَقالَ تَعَالَى: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ [هود:3]، وَقالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم:8].
1/13- وعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: سمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: واللَّه إِنِّي لأَسْتَغْفرُ الله، وَأَتُوبُ إِليْه، في اليَوْمِ، أَكثر مِنْ سَبْعِين مرَّةً رواه البخاري.
2/14- وعن الأَغَرِّ بْن يَسار المُزنِيِّ قال: قال رسول الله ﷺ: يَا أَيُّها النَّاس تُوبُوا إِلى اللَّهِ واسْتغْفرُوهُ فإِني أَتوبُ في اليَوْمِ مائة مَرَّة رواه مسلم.
3/15- وعنْ أبي حَمْزَةَ أَنَس بنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ خَادِمِ رسولِ الله ﷺ، قال: قال رسول الله ﷺ: للَّهُ أَفْرحُ بتْوبةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سقطَ عَلَى بعِيرِهِ وقد أَضلَّهُ في أَرضٍ فَلاةٍ متفقٌ عليه.
وفي رواية لمُسْلمٍ: للَّهُ أَشدُّ فَرَحًا بِتَوْبةِ عَبْدِهِ حِين يتُوبُ إِلْيهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى راحِلَتِهِ بِأَرْضٍ فلاةٍ، فانْفلتتْ مِنْهُ وعلَيْها طعامُهُ وشرَابُهُ فأَيِسَ مِنْهَا، فأَتَى شَجَرةً فاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، وقد أَيِسَ مِنْ رَاحِلتِهِ، فَبَيْنما هوَ كَذَلِكَ إِذْ هُوَ بِها قَائِمة عِنْدَهُ، فَأَخذ بِخطامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الفَرحِ: اللَّهُمَّ أَنت عبْدِي وأَنا ربُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الفرح.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآيات الكريمات والأحاديث النبوية كلها تتعلق بالتوبة،
التوبة من أعظم نعم الله على العبد، من نعم الله العظيمة أن شرع التوبة، فلو كان العبد لا حيلة له في سلامته من الذنوب لكانت المصيبة عظيمة، ولكن الله جل وعلا فتح له باب
التوبة وشرع له
التوبة حتى يسلم من شر ذنوبه وسيئاته الماضية، فهي واجبة عند جميع أهل العلم، يجب على من سبقت منه معصية أن يتوب إلى الله وأن يبادر بذلك كما قال الله -جل وعلا: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم:8] فالتوبة لها شأن عظيم وفوائد جمة يمحو الله بها الخطايا ويحط بها السيئات، يقول ﷺ: والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة وهو سيد ولد آدم، قد غفر الله له، لكن من كمال عبادته لله يستغفر ويكثر من الاستغفار، يقول: والله يحلف وهو الصادق وإن لم يحلف إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة، ويقول في الحديث الثاني: يا أيها الناس توبوا إلى ربكم واستغفروه فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة هذا فيه الحث على
التوبة والاستغفار، والله يقول -جل وعلا: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [هود:3]، ويقول: وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:199].
فالواجب على كل مؤمن ومؤمنة
التوبة إلى الله والاستغفار من الذنوب والحذر منها، ويقول ﷺ: لله أشد فرحا بتوبة عبد من أحدكم براحلته التي ضلها وعليها طعامها وشرابه ومعلوم شدة فرحه إذا وجدها، في بعض الروايات أنه اضطجع تحت ظل شجرة ينتظر الموت لما فقدها بينما هو كذلك إذا بها قائمة عند رأسه ففرح فرحا عظيما وقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح، فالله أشد فرحا بتوبة عبده من هذا براحلته وهي واجبة على الفور،
التوبة واجبة على الفور لا يجوز التأخير، يجب البدار بالتوبة كلما ألم بذنب يجب أن يبادر بالاستغفار والتوبة، وشروطها ثلاثة: الندم على الماضي، والإقلاع من الذنب، والعزم ألا يعود فيه.
لا بد من هذه الشروط، لا تصح
التوبة إلا بهذه الشروط.
الأول: الندم على ما مضى من سيئاته، يندم ويتأسف على ما مضى منها.
والثانية: يقلع منها، الشرط الثاني يقلع من هذه المعصية ويتركها.
والثالث: يعزم عزما صادقا ألا يعود فيه.
بهذه الشروط الثلاث تصح
التوبة من سائر المعاصي: الندم على الماضي، والإقلاع من المعصية، والعزم ألا يعود فيه عزما صادقا، لكن إذا كانت المعصية تتعلق بحق المخلوق وجب شرط رابع وهو: تحلله من ذلك الحق، أو إعطاءه حقه كضربه إياه، أو قتله إياه، وما أشبه ذلك. هذه معصية تتعلق بمخلوق فلا بد من أخذ حقه، فإذا كان الحق قصاصا مكنه من القصاص، فإن كان دينا أعطاه دينه، فإن كان غيبة استحله منها إذا تيسر ذلك، وإلا فإنه يدعو له ويترحم عليه ويذكره بأحسن ما يعلمه في الأماكن التي اغتابه فيها حتى تكون هذه بهذه؛ لأنه قد لا يتيسر له استحلاله، قد يترتب على إخباره شر، فإذا أقلع من الذنب وتركه وتاب إلى الله منه يطلب من صاحب الحق أن يسمح عنه، يسامح ضربا أو غشا في معاملة، أو ما أشبه ذلك، فإن سمح وإلا أعطاه حقه مال، أو قصاص، أو غير ذلك لقوله ﷺ: من كان عنده لأخيه مظلمة فليتحلله اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ من حسناته بقدر مظلمته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه، هذا مقام خطير.
فالواجب على المؤمن الحذر من السيئات و البعد عنها والحرص على
التوبة من سالفها بالندم والإقلاع والعزم الصادق ألا يعود في ذلك، وهي عمل صالح مأجور عليه؛ لأن حقيقتها الندم على الماضي من سيئاته، والتأسف والحزن على ما مضى منه، وتركها والإقلاع منها، والحذر من العود إليها، والعزم الصادق على ذلك مع استحلاله أخاه مما كان غيبة، أو تمكينه من حقه إن كان مالا أو قصاصا حتى لا تبقى عليه تبعة لأحد.
وفق الله الجميع.
4/16- وعن أبي مُوسى عبداللَّهِ بنِ قَيْسٍ الأَشْعَرِيِّ، ، عن النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إِن الله تَعَالَى يبْسُطُ يدهُ بِاللَّيْلِ ليتُوب مُسيءُ النَّهَارِ، وَيبْسُطُ يَدهُ بالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مغْرِبِها رواه مسلم.
5/17- وعَنْ أبي هُريْرةَ قَالَ: قالَ رَسُول اللهِ ﷺ: مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تطلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مغْرِبِهَا تَابَ الله علَيْه رواه مسلم.
6/18- وعَنْ أبي عبدالرَّحْمن عبداللَّهِ بنِ عُمرَ بن الخطَّاب رضيَ اللهُ عنهما عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ الله عزَّ وجَلَّ يقْبَلُ توْبة العبْدِ مَالَم يُغرْغرِ رواه الترمذي، وقال: حديث حسنٌ.
الشيخ: هذه الأحاديث الثلاثة كلها تدل على قبول الرب جل وعلا للتوبة وجوده وكرمه، وأنه سبحانه يقبل
التوبة من عباده متى تابوا إليه صادقين كما قال جل وعلا: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى:25]، وقال جل وعلا: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم:8].
وفي حديث أبي موسى الأشعري عبدالله بن قيس عن النبي ﷺ أنه قال: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها هذا جوده وكرمه أن يتقبل توبة عباده ليلا ونهارًا ويداه مبسوطتان بذلك، قال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [المائدة:64] ينفق كيف يشاء ويقبل
التوبة عن عباده ليلا ونهارًا، وتقدم قوله ﷺ: والله إني لأتوب إلى الله وأستغفره في اليوم أكثر من سبعين مرة يقوله ﷺ وهو مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لكن من كمال ضراعته إلى الله وانكساره بين يديه، ومن كمال عبادته له يتوب ويستغفر دائما، ويقول: أيها الناس توبوا إلى ربكم واستغفروه فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة عليه الصلاة والسلام. قال ابن عمر رضي الله عنهما: «كنا نعد للنبي ﷺ في المجلس الواحد مائة مرة يقول: اللهم اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور» في المجلس مائة مرة اللهم اغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الغفور، ويقول ﷺ: تقبل توبة العبد ما لم تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت قفل باب التوبة، والمراد في قوله جل وعلا: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158] يعني طلوع الشمس من مغربها، متى طلعت من مغربها لم تقبل
التوبة ولا الإسلام من أحد، لكن يبقى على ما كان من عمله السابق يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158] يعني طلوع الشمس من مغربها، وفي حديث ابن عمر: أن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر يعني ما لم تبلغ الروح الحلقوم، ما دام شعوره معه وعقله معه فإن الله يقبل منه التوبة، فإذا بلغت الروح الحلقوم وعاين ما بقي حينئذ محلا للتوبة.
فالواجب على المكلف من الرجال والنساء البدار بالتوبة دائما ولزومها دائما، يقول النبي ﷺ: كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون فالواجب عليك يا عبد الله أن تلزم
التوبة دائما، فأنت محل الذنوب، محل التقصير، لو حاسبت نفسك وجدت العيوب الكثيرة، فالواجب عليك أن تلزم
التوبة دائما، والندم من سيئاتك، والإقلاع والعزم ألا تعود خوفا من ربك، وضراعة إليه، ورغبة فيما عنده، وحذرا من عقابه ، هكذا المؤمن لا يزال أبدا إلا تائبا نادما مقلعا خائفا راجيا معظما لحرمات الله.
وشروط
التوبة ثلاثة: الندم على الماضي من الذنوب، والإقلاع منها وتركها والحذر منها خوفا من الله وتعظيما له، والثالث: العزم الصادق ألا يعود فيها، فإذا تمت هذه الشروط قبل الله التوبة، وهناك شرط رابع -إذا كان الحق للغير لا بد منه- إذا كانت المعصية تتعلق بالمخلوق فلا بد أن تعطيه حقه كالسرقة والغصب والضرب والقتل، لا بد أن تعطيه حقوقه، فالذي له مال عندك تعطه ماله، ما تتم
التوبة إلا بأن تعطيه حقه، ضربته تستبيحه أو يقتص منك، قتلت ولده أو أخاه إما ان يسمح وإلا يقتص منك أو تعطيه الدية على ما يتم عليه الرضا، اغتبته تستحله فإن لم يتيسر تدعو له بالخير وتذكره بالمحاسن التي تعلمها منه في المجالس التي اغتبته فيها، هذا من شرط
التوبة أن تستحل صاحبك الذي اغتبته فإن لم يتيسر تستغفر له وتدعو له وتذكره بمحاسنه التي تعلمها منه، الجوانب الطيبة التي تعلمها منه تذكره بها في المجالس التي اغتبته فيها وذكرته بمساوئ تكون هذه بهذه، وربك يقول: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات:12] قيل: يا رسول الله ما الغيبة؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره.
هذه الغيبة تقول: بخيل، سيئ الخلق، قاطع للرحم، ما هو بمحافظ على الصلوات، وما أشبه ذلك، هذه الغيبة تذكره بالشيء الذي يكره، لكن إن كانت معاصٍ ظاهرة ما له غيبة، الإنسان الذين يضيع الصلوات ولا يصلي والناس يعرفون أنه ما يصلي ما له غيبة، يشرب الخمر بين الناس في الأسواق وفي المطاعم ما يستحي ما له غيبة، هكذا من أظهر المعاصي لا غيبة له، ولهذا مر على النبي ﷺ بجنازة فأثنوا عليها شرا فقال: وجبت، ومر عليه بأخرى أثنوا عليها خيرا فقال: وجبت، فقيل: يا رسول الله ما معنى وجبت؟ قال: هذه أثنيتم عليها شرا فوجبت لها النار، وهذه أثنيتم عليها خيرا فوجبت لها الجنة، أنتم شهداء الله في الأرض ولم يعب عليهم شهادتهم عليه بالشر؛ لأنه كان معلن، شهدوا عليه بالمعاصي الظاهرة التي أعلنها، فأخبر النبي ﷺ أن هذه الشهادة تدل على أنه من أهل النار نسأل الله العافية.
فالواجب على المؤمن أن يكون حذرا من السيئات، وإذا بلي بالسيئة فلتكن سرا لا يبرز بها بين الناس، لا يجاهر، لا يبتعد عن الحياء، بل يستحي تكون خفية، ويبادر بالتوبة، إذا كانت خفية أقرب إلى
التوبة وأقرب إلى البدار والحياء، أما من أظهرها فلا غيبة له نسأل الله العافية.
والمقصود أن حق المخلوق لا بد من أدائه، شرط من شروط
التوبة وهو الشرط الرابع لا بد منه، إما أن تستحلها أخاك، وإما أن تذكره بالمحاسن والأعمال الطيبة التي تعرفها عنه مع الاستغفار له والدعاء له في مقابل إساءتك إليه بالغيبة، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه.
1/19- وعَنْ زِرِّ بْنِ حُبْيشٍ قَال: أَتيْتُ صفْوانَ بْنِ عسَّالٍ أَسْأَلُهُ عَن الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا زِرُّ؟ فقُلْتُ: ابْتغَاءُ الْعِلْمِ، فقَال: إِنَّ الْملائِكَةَ تَضَعُ أَجْنِحتِها لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضاء بمَا يَطلُبُ، فَقلْتُ: إِنَّه قدْ حَكَّ في صدْرِي الْمسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَعْدَ الْغَائِطِ والْبوْلِ، وكُنْتَ امرأ مِنْ أَصْحاب النَّبِيِّ ﷺ، فَجئْت أَسْأَلُكَ: هَلْ سمِعْتَهُ يذْكرُ في ذَلِكَ شيْئًا؟ قَالَ: نعَمْ كانَ يأْمُرنا إِذَا كُنا سَفرًا أوْ مُسافِرين أَن لا ننْزعَ خفافَنا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ولَيَالِيهنَّ إِلاَّ مِنْ جنَابةٍ، لكِنْ مِنْ غائطٍ وبْولٍ ونْومٍ. فقُلْتُ: هَل سمِعتهُ يذكُر في الْهوى شيْئًا؟ قَالَ: نعمْ كُنَّا مَع رسولِ اللهِ ﷺ في سفرٍ، فبيْنا نحنُ عِنْدهُ إِذ نادَاهُ أَعْرابي بصوْتٍ لَهُ جهوريٍّ: يَا مُحمَّدُ، فأَجَابهُ رسولُ الله ﷺ نحْوا مِنْ صَوْتِه: هاؤُمْ فقُلْتُ لهُ: وَيْحَكَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ فإِنَّك عِنْد النَّبيِّ ﷺ وقدْ نُهِيت عَنْ هذا، فقال: واللَّه لاَ أَغضُضُ: قَالَ الأَعْرابِيُّ: الْمَرْءُ يُحِبُّ الْقَوم ولَمَّا يلْحق بِهِمْ؟ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: الْمرْءُ مَعَ منْ أَحَبَّ يَوْمَ الْقِيامةِ فَمَا زَالَ يُحدِّثُنَا حتَّى ذَكَرَ بَابًا مِنَ الْمَغْرب مَسيرةُ عرْضِه أوْ يسِير الرَّاكِبُ في عرْضِهِ أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ عَامًا. قَالَ سُفْيانُ أَحدُ الرُّوَاةِ. قِبل الشَّامِ خلقَهُ اللَّهُ تعالى يوْم خلق السموات والأَرْضَ مفْتوحًا لِلتَّوبة لا يُغلقُ حتَّى تَطلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ" رواه التِّرْمذي وغيره، وَقالَ: حديث حسن صحيح.
8/20- وعنْ أبي سعِيدٍ سَعْد بْنِ مالكِ بْنِ سِنانٍ الْخُدْرِيِّ أَن نَبِيَّ الله ﷺ قَال: كَانَ فِيمنْ كَانَ قَبْلكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعةً وتِسْعين نفْسًا، فسأَل عَنْ أَعلَم أَهْلِ الأَرْضِ فدُلَّ عَلَى راهِبٍ، فَأَتَاهُ فقال: إِنَّهُ قَتَل تِسعةً وتسعِينَ نَفْسًا، فَهلْ لَهُ مِنْ توْبَةٍ؟ فقالَ: لا، فقتلَهُ فكمَّلَ بِهِ مِائةً، ثمَّ سألَ عَنْ أَعْلَمِ أهلِ الأرضِ، فدُلَّ على رجلٍ عالمٍ فقال: إنهَ قَتل مائةَ نفسٍ فهلْ لَهُ مِنْ تَوْبةٍ؟ فقالَ: نَعَمْ، ومنْ يحُولُ بيْنَهُ وبيْنَ التوْبة؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وكَذَا، فإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يعْبُدُونَ الله تَعَالَى فاعْبُدِ الله مَعْهُمْ، ولاَ تَرْجعْ إِلى أَرْضِكَ فإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ، فانطَلَق حتَّى إِذا نَصَف الطَّريقُ أَتَاهُ الْموْتُ فاختَصمتْ فيهِ مَلائكَةُ الرَّحْمَةِ وملاكةُ الْعَذابِ. فقالتْ ملائكةُ الرَّحْمَةَ: جاءَ تائِبًا مُقْبلا بِقلْبِهِ إِلى اللَّهِ تَعَالَى، وقالَتْ ملائكَةُ الْعذابِ: إِنَّهُ لمْ يَعْمَلْ خيْرًا قطُّ، فأَتَاهُمْ مَلكٌ في صُورَةِ آدَمِيٍّ فجعلوهُ بيْنهُمْ -أَي حَكَمًا- فقالَ قِيسُوا ما بَيْن الأَرْضَين فإِلَى أَيَّتهما كَان أَدْنى فهْو لَهُ، فقاسُوا فوَجَدُوه أَدْنى إِلَى الأَرْضِ التي أَرَادَ فَقبَضْتهُ مَلائكَةُ الرَّحمةِ متفقٌ عليه.
وفي روايةٍ في الصحيح: فكَان إِلَى الْقرْيَةِ الصَّالحَةِ أَقْربَ بِشِبْرٍ، فجُعِل مِنْ أَهْلِها.
وفي رِواية في الصحيح: فأَوْحَى اللَّهُ تعالَى إِلَى هَذِهِ أَن تَبَاعَدِي، وإِلى هَذِهِ أَن تَقرَّبِي وقَال: قِيسُوا مَا بيْنهمَا، فَوَجدُوه إِلَى هَذِهِ أَقَرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفَرَ لَهُ، وفي روايةٍ: فنأَى بِصَدْرِهِ نَحْوهَا.
الشيخ: هذه الأحاديث فيما يتعلق بالتوبة،
التوبة تقدم أن الله جل وعلا شرع لعباده
التوبة من جميع ذنوبهم، وأن الواجب على جميع العباد أن يتوبوا إليه من جميع الذنوب، وأن الله سبحانه يجب بالتوبة ما قبلها كما قال عليه الصلاة والسلام: الإسلام يهدم ما كان قبله، والتوبة تهدم ما كان قبلها، والله يقول سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] أجمع العلماء أن هذه الآية نزلت في التائبين، وأن من تاب إلى الله توبة صحيحة مستوفية شروطها أن الله جل وعلا يتوب عليه ويغفر له ذنوبه كلها الشرك وما دونه.
وفي هذا الحديث حديث زر بن حبيش أنه أتى صفوان بن عسال يسأله، وصفوان من الصحابة، وزر من كبار التابعين من المخضرمين، فقال له صفوان: ما جاء بك؟ قال: طلب العلم، جئت أطلب العلم، فقال له صفوان: إني سمعت النبي ﷺ يقول: إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع تضع أجنحتها يعني ترحيبا به وترغيبا له وتشجيعا، وفي الحديث الآخر يقول ﷺ: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وفي الحديث الآخر: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين.
فطلب العلم من أفضل القربات ومن أفضل الطاعات، قال: جئت أسأل عن المسح على الخفين، حك في نفسي المسح على الخفين بعد البول والغائط هل يمسح أو ما يمسح؟ فقال له صفوان: «إن الرسول ﷺ أمرهم أن يمسحوا إذا كانوا مسافرين ثلاثة أيام ولياليهن» يعني والمقيم يوم وليلة كما في الرواية الأخرى من البول والغائط لا الجنابة البول والغائط والنوم إلا الجنابة هذا يدل على أن من كان على غير طهارة يمسح في السفر ثلاثة أيام ولياليهن على الخفين رجلا كان أو امرأة، أما إن كان هناك جنابة يخلع الجنابة ليس فيها مسح إلا الجبيرة، إذا كانت جبيرة يمسح عليها، الجبيرة عليه جرح يمسح عليها لا بأس في الجنابة غيرها، أما الخفان لا يمسح الخفان والعمامة، إنما المسح يكون في البول والغائط والنوم، يعني في نواقض الوضوء غير الجنابة.
قال: هل سمعته يذكر شيئا في الهوى في المحبة يعني؟ وهذا الذي جاء في المسح على الخفين أمر معروف، وهو الذي عليه أهل العلم أن المسافر يمسح ثلاثة أيام بلياليها من المسح بعد الحدث، والمقيم يوم وليلة من المسح بعد الحدث إذا لبسهما على طهارة، قال سمعت الرسول ﷺ يقول شيئا في الهوى؟ هذا حديث آخر، زر اشتمل حديثه على عدة أحاديث: الأول: فيما يتعلق بطلب العلم وفضل طلب العلم، الثاني: المسح على الخفين، المسألة الثالثة: الهوى المحبة سأله عن المحبة؟ قال: نعم، جاء أعرابي إلى النبي ﷺ يقول: يا رسول الله أو يا محمد بصوت رفيع، فقال له النبي ﷺ: هاؤم نحوا من صوته، من عادة الأعراب أنهم يرفعون الصوت، من عادة البادية إذا جاؤوا يسألون يرفعون الصوت، الغالب على البادية الجفاء وعدم الأدب الكامل، فقيل: لا ترفع صوتك، فقال: بأرفع صوتي، هو قصده يسمع الناس حتى يستفيدوا، هذا أحسن ما يحمل عليه قصده حتى يسمع الناس وحتى يستفيدوا من الجواب، فقال له ﷺ: المرء مع من أحب فرح الصحابة بهذا فرحا عظيمًا، كون الإنسان مع أحب قال أنس : إني أحب رسول الله، وأحب أبا بكر، وأحب وعمر، فأرجو أن أكون معهم يوم القيامة، فالمرء مع من أحب الرسل والأنبياء وأهل الخير صار معهم، ومن أحب الكفرة والفسقة كان معهم، المرء مع من أحب، ثم أخبره صفوان أنه سمع النبي ﷺ يقول: إن هناك بابا للتوبة عظيما جاء في إحدى الروايات أن مسيرته سبعين عاما مفتوحا لا تزال ترفع معه أعمال التائبين فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق.
وتقدم الحديث أن الرسول أخبر أن الشمس متى طلعت من مغربها انتهت الأعمال، ما يبقى للعبد إلا ما كان يعمل قبل طلوعها من مغربها، أعماله السابقة هي التي تكتب له، أما الزيادة بعد طلوع الشمس من مغربها ما تحسب؛ لأن الأمر صار عيانا ما صار بالغيب، ولهذا يقول جل وعلا في كتابه الكريم في آخر سورة الأنعام هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158] فبعض الآيات هي طلوع الشمس من مغربها، فمن كان على الإسلام فهو على إسلامه ودينه، ومن كان على الكفر لا يقبل منه إذا اسلم بعد ذلك بعدما تطلع الشمس من مغربها، ففي هذا الحث والتحريض على التوبة، وأنه يجب على كل مؤمن وعلى كل مؤمنة أن يبادر بالتوبة، وأن يكون على
التوبة دائما دائما حتى يلقى ربه، ما دامت
التوبة ممكن قبل أن تطلع الشمس من مغربها، وقبل أن يهجم عليه الأجل، قد يموت على غيره وليس بتائب، فليبادر بالتوبة حتى لا يتمادى به الإمهال والتأخير والتسويف إلى هجوم الأجل، فالواجب على العاقل الحزم والكيس وأن يلزم
التوبة أبدا حتى يلقى ربه، ولا يقل باكر عقبه إذا شبت لا، ومن له بباكر وعقبه، ومن له إذا شاب، قد يموت قبل ذلك، فالواجب البدار بها.
ولهذا قال سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا [النور:31] أمر، والأمر للوجوب والفورية، قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم:8] والتوبة الندم كما تقدم، الندم على الذنوب الماضية، كونه يندم عليها، ويتمنى أنه ما فعلها يحزن عليها ويقلع منها ويتركها، ويعزم ألا يعود فيها ابتغاء مرضات الله، خوفا من الله، تعظيما لله، هذه الشروط الثلاثة: ندم، وإقلاع، وعزم صادق الا يعود، هذه شروط
التوبة عن صدق، وعن إخلاص بذلك، ورغبة فيما عند الله، وشرط رابع: وهو التخلص من حق الناس، إذا كان لحقوق الناس أن يتخلص منها بإعطائهم حقوقهم أو تحللهم منها لقوله ﷺ: من كان عنده لأخيه مظلمة فليتحلله اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ من حسناته بقدر مظلمته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه، وفي الحديث الآخر يقول ﷺ: ما تعدون المفلس فيكم؟ قالوا: من لا درهم له ولا متاع، هذا المفلس عند الناس الذي ما عنده مال لا درهم ولا متاع، هذا يقال له مفلس، قال ﷺ: لكن المفلس يوم القيامة الذي يأتي بأعمال عظيمة، من صلاة، وصوم، وصدقة، ويأتي وقد ضرب هذا، وسفك دم هذا، وشتم هذا، وأخذ مال هذا، فيعطى هذا من حسناته، ويعطى هذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته ولم يقض ما عليه أخذ من سيئاته فحمل عليهم ثم طرح في النار هذا المفلس نسأل الله العافية، المفلس الذي تكون أعماله لغيره بسبب مظالمه فتؤخذ حسناته ويحمل من سيئاتهم، نسأل الله العافية.
والحديث الثاني: حديث أبي سعيد الخدري في قصة الرجل الذي كان فيمن قبلنا، كان ظالما قتل تسعة وتسعين نفسا بغير حق، تسعة وتسعين فألقى الله في قلبه
التوبة وجاء يسأل، فدلوه على راهب، هو يسأل عن عالم دلوه على راهب، والراهب العابد ما عنده علم، فسأله: هل لي من توبة؟ استعظم أمره تسعة وتسعين قال: ما لك توبة فقتله كمل به المائة، هذه من عقوبات الجهل، عقوبات الفتوى بغير علم، هكذا العقوبات عوقب بأن سلط عليه فقتله، ثم جاء يسأل عن عالم فدل على عالم صاحب بصيرة، فقال: أنا قتلت مائة نفس هل لي توبة، وإلا ما لي توبة؟ قال: ومن يحول بينك وبين التوبة، اذهب إلى قرية كذا فإن فيها أناسا صالحين فتعبد معهم، واترك بلدك لأنها بلد سوء فيها أشرار، يعني يتابعهم في الشر، فبادر بالتوبة والندم على ما فعل وتوجه إلى القرية الصالحة مهاجرا ليكون فيها مع الصالحين، فلما جاء في منتصف الطريق حل به الأجل، نزل به الأجل ومات في الطريق، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ملائكة الرحمة تقول: جاء تائبا نادما مقلعا نحن أولى به، وملائكة العذاب تقول: إن فيه وفيه وصاحب شر، ما عمل خيرا نحن أولى به، فأرسل الله إليهم ملكا يحكم بينهم، فقال: قيسوا ما بين البلدين، بلدته التي خرج منها وبلدته التي توجه إليها الصالحة، فقاسوا ما بينهما فإذا هو أقرب إلى الصالحة بقليل بشبر، فصار من أهلها، والمهم أنه تاب، ومن توبته أن الله جعل هذا الشيء اليسير ينفعه، لما قيس ما بينهما، لما حكم بينهما الملك، وفي بعض الروايات أنه جعل ينوء بصدره من شدة ما في قلبه، ينوء بصدره إلى القرية التي ذهب إليها لعله يقرب إليها، والمقصود من هذا أن
التوبة العمود على
التوبة أن الله يجب بها ما قبلها ويمحو بها ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له قبضته ملائكة الرحمة وصار إلى رحمة الله جل وعلا، وإذا صحت
التوبة أرضى الله أصحاب الحقوق عن حقوقهم المقتولين، فالله يرضيهم جل وعلا عن حقوقهم بسبب توبة هذا القاتل
التوبة الصادقة.
وفي هذا الحث والتحريض على
التوبة من كل ذنب، وإن عظم الذنب أعظم الذنوب الشرك، والتوبة تجب الشرك، فالقتل دون الشرك، ولهذا يقول جل وعلا في سورة الفرقان: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ [الفرقان:68] ثلاث كبائر أعظمها الشرك، ثم القتل، ثم الزنا قال: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ [الفرقان:68-70] يعني من الشرك والقتل والزنا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:70]، وقال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] فهذا من رحمته وإحسانه أنه يتوب على التائبين من الشرك، وما دونه من قتل أو زنا أو ربا أو غير ذلك، لكن المهم صدق
التوبة وصحة التوبة.
وفق الله الجميع.