هذا من المقالات التي أكتب فيها أفكاري دون جهد البحث والتحقق من التفاصيل. يعني هو أشبه بتفكير حر خارج الصندوق. المقال حول
الترحال الفضائي و بعض الحلول والمشاكل.
الترحال
الفضائي مستقبلاً سيستوجب منا طريقة جديدة في التفكير والتخلي عن المركزية البشرية في كل شيء. يجب أن يكون الهدف من هذه المحاولات هو نشر الحياة في الفضاء عوضاً عن انتشار الجنس البشري. أعتقد أنه يجب اتخاذ خطة بعيدة الأمد للغزو
الفضائي والنظر للحياة من مفهوم أكثر شمولية. يجب أن يكون المخطط مصمم على أساس نقل الحياة لخارج كوكب الأرض عوضاً عن البشر. اليوم نحن نفكر في اطار نقل الجنس البشري إلى كوكب المريخ لكن هذا التفكير خاطئ ومحدود جداً في نظري.
لاشك أن القرن الواحد والعشرين سيكون قرن
الترحال الفضائي ضمن تاريخ تطور الحضارة البشرية لكني أعتقد أننا أمام معضلة يتوجب فحصها وإيجاد حلول مبتكرة لها. المشكلة أن الفضاء الخارجي ليس صديق للبشر ونحن لم نتطور لكي نعيش على سطح أي كوكب أخر سوى كوكب الأرض.
هذا يعني أن كل البحوث الذي تتم هي بحوث متحيزة لميزات شبيهة بالكرة الأرضية. هذه بحوث ضيقة الأفق. مثلاً
الترحال إلى كوكب المريخ ممكن أي يحدث في العشرون سنة القادمة لكن ماهي الفائدة من هذا
الترحال إذ أن البشر المسافرون سيتعرضون لكميات قاتلة من الإشعاعات ضمن الرحلة وعلى سطح الكوكب وبالتالي يتوجب عليهم إيجاد حلول مثل الحياة تحت سطح المريخ وغيرها من الحلول. بينما لو كان مخططنا يشمل نقل بعض أنواع الحياة (بكتيريا مثلاً) فإن الخيارات تصبح واسعة جداً. أنا هنا أتحدث عن ارسال كائنات موجودة حالياً أو ممكن تصميمها خصيصاً بهدف الحياة في الفضاء مستقبلاً.
مثلاً يوجد كائن مجهري مثير للاهتمام اسمه دب الماء أو Tardigrades قد يغير هذا الكائن الكثير من المفاهيم الموجودة لدينا عن الحياة كما نعرفها. دب الماء لديه فم وعينين وجهاز هضم وجهاز عصبي ويبلغ حجمه حوالي ظ، مم مغلف بمادة شبيهة بالمادة التي تغلف الحشرات ويمتلك ثمان أرجل تساعده على التحرك.
هو يمتلك فم شكله أشبه بالرمح حيث يغرس رمحه في داخل الخلايا النباتية و يمتص المحتوى البروتين الموجود في داخلها. ليس لدينا أي فكرة كيف تطور هذا الكائن و ماهي قصته التطورية و لكن استطعنا رصد ظ¨ظيمنعظيمنع نوع مختلف منه على سطح الأرض حتى الآن.
دب الماء يستطيع العيش في ظروف قاسية جداً حيث أنه يستطيع تحمل ضغط أكبر من ضغط الغلاف الجوي الأرضي بألف مرة تقريباً ويستطيع تحمل درجات حرارة تصل إلى ظ£ظيمنعظيمنع درجة مئوية والتعايش مع درجات برودة قريبة من ظ¢ظ§ظ¢ تحت الصفر. يستطيع هذا الكائن تحمل الإشعاعات الشمسية دون أن يوثر ذلك على حمضة النووي كما هو حال بقية الكائنات الحية (يصحح حمضه النووي بشكل ذاتي). دب الماء لديه انتشار أوسع من انتشار الجنس البشري من الناحية الجغرافية إذ أنه متواجد في كل مكان ويعيش على الأغلب في البيئة الرطبة حيث يوجد ماء ونباتات طحلبية.
يستطيع البقاء على قيد الحياة لأكثر من ظ،ظيمنع سنين دون أي طعام لكن في حال تغيرت الظروف المحيطة به بشكل حاد يدخل هذا الكائن بنوع من الموت الحيوي حيث أن غلافه الخارجي يفرز مادة بروتينية شبيهة بالزجاج تقوم بحماية خلاياه طالما أنه في حالة الموت الحيوي هذه. عندما يكون دب الماء بحالة الموت الحيوي يتقوقع على نفسه مما يسهل انتقاله عن طريق الرياح لصغر حجمه مما قد ينقله إلى أماكن ذات ظروف ملائمة أكثر.
عندما تتبدل الظروف المحيطة به بشكل ملائم يعود دب الماء إلى الحياة من جديد ليمارس حياته بشكل اعتيادي ويمكنه البقاء في حالة الموت المؤقت لزمن طويل جداً.
في عام ظ¢ظيمنعظيمنعظ§ أرسلت ناسا مجموعة من دبب الماء إلى الفضاء ووضعتهم في فراغ الفضاء دون أي حماية وبقية هذه العينة على هذه الحالة لعدة أيام. عندما عادت مهمة ناسا إلى الأرض وجدت أن دبب الماء لازلت على قيد الحياة وأنها وضعت بيوض جديدة أثناء الرحلة. ميزات هذا الكائن الجينية قد تساعدنا في تصميم بذور حياة هدفها
الترحال الفضائي.
طبيعتنا البشرية تحثنا على الاستكشاف فترانا دائماً نخطط لكيف ممكن أن نصل لقمة ذاك الجبل أو قاع هذا المحيط لكي نزرع رايتنا عليه معلنين بها وصلولنا واكتشافنا لتلك البقعة أو غيرها. عندما وضع أول إنسان قدمه على سطح القمر كان لابد من غرس علم الولايات المتحدة من باب إعلان وصول الجنس البشري لهذا الجسم الذي طالما قامت الأساطير حوله. أعتقد أن
الترحال الفضائي يستوجب التفكير بطريقة مختلفة عن هذه الطريقة البشرية المحصورة بالانتقال الفيزيائي للبشر الأرضيين إلى مكان جديد ضمن المجموعة الشمسية أو ما بعدها.
نحن دائماً نبحث عن كوكب صخري له كتلة قريبة من كتلة الأرض (تقارب مع الجاذبية الأرضية) وعلى مسافة تحقق وجود الماء بشكله الثلاثي (صلب، سائل، غاز). هذه الشروط في البحث تعود لافتراض أن غسان الذي يقوم بالبحث هو نفسه من يتوجب عليه الانتقال لذلك الكوكب. لكن إذا ما تبنينا نظرة جديدة للترحال
الفضائي حيث يكون الهدف متمحور حول انتقال الحياة إلى الفضاء بشكل عام وليس البشر تحديداً فإن هذا سيغير من شروط البحث وسنجني فوائد أكبر على المدى البعيد.
نحن كبشر نشعر بمسؤولية استمرار الجنس البشري وهذا ما يدفعنا إلى البحث والاكتشاف لكن في الواقع ما أن تنتقل مجموعة بشرية إلى كوكب آخر فإن هذه المجموعة ستتطور مع الوقت لتصبح نوع بشري جديد (بسبب الفاصل الجغرافي الذي يمنع الاختلاط الجيني) غير قادر على التكاثر مع البشر الموجودين على كوكب الأرض. هذا يعني أننا مهما فعلنا فنحن لا نعمل لكي يستطيع الجنس البشري أن يغزو الفضاء وإنما نوع من الأحياء الذكية القادرة على استمرار الحياة خارج نطاق كوكب الأرض. النجاح في نقل الجنس البشري خارج المجموعة الشمسية هي مهمة فاشلة مسبقاً وهنا أن أركز على كلمة نوع لكن تبنّي خطة هدفها ارسال الحياة إلى خارج المجموعة الشمسية مع أدوات قد تساهم في تطور هذه الحياة بشكل يطور ذكاء ممكن أن يتواصل معنا من جديد قد تكون فكرة أكثر فعالية مستقبلاً.
هذا يغير من معايير البحث فعندها نستطيع ارسال أنواع من الحياة القادرة على تحمل الظروف الصعبة وتصميمها جينياً بأن تتكاثر وتتطور في عوالم جديدة. نقوم بهذه العملية بكل اتجاه في الكون ونعمل على تتبع تطورها. هذه الخطوة الأولى لن يكون لها أي نتيجة ملموسة بالنسبة للبشر الحاليين أو حتى لملايين السنين لكنها الطريقة الوحيدة المنطقية في رأيي لاستمرار الحياة خارج نطاق المجموعة الشمسية.
في الواقع قد نكون نحن نتيجة تطور لمحاولات شبيهة لكائنات حية سبقتنا بأرسال بذرة الحياة في كل اتجاه. تسمى هذه الفرضية بانسبيرميا أو التبزر الشامل. تخيل ماذا سيحدث لهذه الخلايا المصممة جينياً من قبلنا بعد عشرات ملايين السنين. ربما تتطور كائنات ذكية جديدة منها وتبدأ محاولات بالترحال
الفضائي خارج نطاق مكان سكنها وفي نقطة ما ربما تلتقي هذه الأحياء مع بعضها البعض.
انتقال البشر للفضاء ليس مشروع مستدام أو قابل للتحقيق في نظري الشخصي وذلك لأن توقيع كوكب الأرض محفور في حمضنا النووي. نحن تطورنا خلال ملايين السنين لكي نستنشق الأوكسيجين كجزء من عملية استقلاب الطاقة الشمسية التي نحصل عليها من قبل أحياء أخرى قامت بمرحلة ما بتخزين الكربوهيدرات كنتيجة لعملية التركيب الضوئي. نعم أعتقد أن زيارة كوكب المريخ فكرة جيدة لكن الاعتقاد أننا سنعيش على سطح الكوكب دون تطوير تكنولوجيا تقوم بتغير مناخ الكوكب بما يتناسب مع توقيعنا الجيني هي أفكار غير واقعية.
لنرسل بذور الحياة ونرسل معها رسالة قد تتطور هذه الحياة يوماً ما وتفك تلاسيهما وتتواصل مع أحفادنا من جديد. نحن بذور الحياة التي أرسلاها أجدادكم قبل ملايين السنين.