هذه فكرة تخطر على بالي كل فترة وفترة ولهذا قررت أن أكتبها ضمن بضعة سطور لكيلا تذهب مع بقية الأفكار التي تأتي وتذهب طوال الوقت. لست أدري إن كنت سأكون قادر على التعبير عن الفكرة بشكل مناسب كما تدور في ذهني… لكني سأحاول. سأبدأ الفكرة بالحديث عن
الوقت من الناحية الفيزيائية.
النقطة الأولى:
الكون المنظور بدأ منذ قرابة ظ،ظ¤ مليار سنة تقريباً ومنذ لحظة بداية تطوره وهو يسعى نحو الفوضى.
الفوضى في هذا المنحى تعني المزيد من المعلومات. أعرف أن هذا الكلام قد يبدو غريباً لكن تخيل معي أن الكون عبارة عن حوض استحمام. ملئنا الحوض بالماء. وثم وضعنا بعض الحبر في هذا الماء. الحوض قبل الحبر كان وضعه الفيزيائي عبارة عن مساحة مليئة بمركب الماء (نستطيع تحديد قيمة محددة لكمية مركبات الماء الموجود في الحوض). هذا يعني أن حوض الماء قبل الحبر هو أقل فوضى من بعد الحبر. في أول ثانية بعد أن سكبنا الحبر في الماء نجد أن بقعة من الحبر الأزرق قد تشكلت في نفس نقطة تماس الحبر مع الماء. إذاً لا زلنا قادرين على العودة بالزمن إلى الوراء واستنتاج أن هذه البقعة الزرقاء المتشكلة هي نتيجة الحبر الذي سكبناه لتونا.
إن انتظرنا إلى الحوض بعد بضعة دقائق سنجد أن الحبر بدأ يتحلل في الماء وأصبح من الصعب تحديد مكان سكب الحبر لكن نستطيع أن نرسم فكرة عامة عن المكان بناء على نسبة كثافة الحبر في الماء. بعد بضعة ساعات نجد أن الحبر تحلل داخل الماء بشكل أكبر ولم نعد قادرين على معرفة ماذا حصل أو من أين بدأ الحبر. هذا المثال الذي ذكرته عن الحبر هو تشبيه للقانون الثاني من الديناميكية الحرارية والتي تقول إن الكون دائماً يتجه من الانتظام نحو الفوضى. أنا ذكرت سابقاً أن المزيد من
الفوضى يعني المزيد من المعلومات والذي أعنيه هنا أننا إن عدنا إلى مثال الحبر فإن حالة حوض الماء قبل الحبر كانت أبسط من بعد الحبر إذ أن مركب الماء بدأ بالالتصاق بمركب الحبر وكلما مر وقت أكثر كلما زاد كم المعلومات الازمة لتحليل حالة الماء والحوض والحبر. ربما سيبدأ الماء بالتبخر وثم سيشكل الحبر بقع زرقاء على جدار الحوض. هذا يعني أن حالة الحوض تزيد
الفوضى فيها مع ازدياد الوقت. إذا جاء مراقب يريد معرفة ماذا حدث للحوض ومن أين جاء اللون الأزرق على جدرانه فهذا الشخص يحتاج معلومات أكثر من شخص يريد فقط أن يعاين الحوض قبل ملئه بالماء.
هكذا هو الكون.
كلما عدنا إلى الوراء كلما كان توصيف الكون وتحليله أسهل وذلك بسبب القانون الثاني والذي ينص على أن الكون يتجه نحو الفوضى. حسناً. هذه أول نقطة. لنضعها جانباً.
النقطة الثانية:
هي أن الاتجاه نحو
الفوضى يتخلله فقاعات من الانتظام. الحياة على الكرة الأرضية مثال جيد لهذه الفقاعات إذ أنه على الرغم من اندماج كميات كبيرة جداً من الهيدروجين ضمن الشمس (المزيد من الفوضى) إلا أن بعض هذه الطاقة تساهم في تشكيل حالة مؤقتة من الانتظام على كوكب الأرض. هذه الحالة تصرف طاقة كبيرة جداً لاستدامتها (طاقة الشمس) إلا أنها استطاعت قرصنة بعضاً من هذه الطاقة وتعمل بعكس التيار الكوني المتجه نحو الفوضى.
الحياة:
أود العودة إلى مثال حوض الحمام. على فرض أننا بعد سكب الحبر في الماء قمنا بفتح سدادة الماء (البلاعة) وهذا لكي نسرع من عملية
الفوضى المتمثلة بذهاب الماء عبر المجاري الصحية. سنجد أن الماء سيشكل زوبعة صغيرة (طاقة حركية مصروفة) عند السدادة وستستمر هذه الزوبعة إلى أن تنتهي كل قطرات الماء الموجودة في الحوض. هذه الزوبعة الصغيرة تمثل نطام طفيلي على حالة
الفوضى العامة الحاصلة في الحوض. الحياة هي مثل هذه الزوبعة. تتشكل لنافذه زمنية قصيرة وثم تنتهي. أنا هنا لا أتحدث عن حياة كائن حي ما وإنما عن الحياة كلها من بدايتها وحتى نهايتها كحالة طفيلية على طاقة نجم الشمس. إذاً هذه هي النقطة الثانية التي أريد الوصول إليها وهي أنه ضمن
الفوضى الكونية نجد أن بعض الأنظمة تتشكل بشكل طفيلي والتي تظهر وتفنى أثناء عملية الانتقال من الانتظام نحو الفوضى.
إذاً الحياة عبارة عن ظاهرة تسير بعكس التيار الكوني. الحياة ظاهرة تعتمد على التطفل على نظام الكون الذي يتجه نحو المزيد والمزيد من المعلومات. المزيد والمزيد من التفاعلات. المزيد والمزيد من الفوضى. الكون عبارة عن نظام يتجه من ظ، إلى ظ¢ إلى ظ£ إلى ظ¤ إلى ظ¥ الخ. وضمن هذا التصاعد العددي نجد بعض الجيوب التي تستغل هذه الحركة وتتطفل عليها. هذه الجيوب لا تستطيع الاستمرار إلى الأبد وستفنى في مرحلة ما كنتيجة لهذه
الفوضى وربما سينتج طفيليات أخرى تتطفل على
الفوضى الناتجة عن انتهاء الحياة. الحياة عبارة عن حالة طفيلية على
الفوضى الكونية.
الزمن:
الزمن من الناحية الفيزيائية عبارة عن قيمة للانتقال من نقطة ظ، إلى نقطة ظ¢ ولا وجود للزمن دون مكان يتم الانتقال داخله. تخيل معي لا مكان (غياب الأبعاد الثلاثة) كيف للزمن أن يكون مؤثر وكيف لنا أن نعرف أن هذا هو الزمن. إذاً الزمن عبارة عن نتيجة لظاهرة (وجود حركة ضمن مكان ما) وليس ظاهرة مستقلة بحد ذاته. الزمن يمثل الانتقال الكوني من النظام إلى الفوضى. الزمن هو تحلل الحبر في حوض الماء. الزمن هو اندماج الهيدروجين داخل الشمس. الزمن مهم فقط لمن يستطيع أن يرصده. الزمن له قيمة فقط عند مجابهة التيار الكوني المتجه نحو المزيد من التفاعلات والتحلل.
النقطة الثالثة:
أهمية الزمن للكائنات الحية هو أن الحياة تعمل عكس سهم الزمن المتمثل بازدياد
الفوضى الكونية. الحياة تحاول معارضة قانون الكون بزيادة
الفوضى لهذا نجد أن الحجارة لا يهمها الزمن والكواكب لا يهمها الزمن والنجوم لا يهمها الزمن. الزمن والوقت يهم فقط من يحاول مقارعة
الفوضى ويحتاج أن يعيق عمل الكون في زيادة المعلومات والفوضى. نحن نتعصب للحياة لأننا أحياء لكن إن نظرنا بتجرد فإن الحياة ليست إلا حالة طفيلية على حركة الكون. الحياة ليست سوى الزوبعة الناتجة في حوض الماء.
الوقت والزمن مهم بالنسبة لنا لأننا موجودون فقط كطفيليات زمنية تحاول أن تجد سبيلاً بأن تبقى دون أن يكون وجودها مرتهن بمقارعة الكون. مجرد أفكار تدور في رأسي أحببت أن أشاركم بها.
منقول لأهمية