من هو أبو قريش الصيدلاني
أبو قريش هو عيسى الصيدلاني ، عالم بشؤون النباتات والعقاقير، عاش ببغداد وعمل بها كصيدلاني، خدم المهدي في قصر الخلافة إلى جانب كبار أطباء وصيادلة العصر العباسي آنذاك، واقترن اسمه بلقب أول صيدلاني في بلاد العرب، علماً أن العرب في هذا العهد كانوا سبَّاقين الى تدشين معالم علم الصيدلة كعلمٍ مستقلٍّ بذاته بعد ان كان لصيقاً بعلوم النبات في شموليتها ومجال صناعة العطور.
أبو قريش الصيدلاني ومرتبته العلمية :-
كان أبو قريش عالماً بشؤون العقاقير والأدوية، بارعاً في عمله، ذا صيت حسن في علِم صناعة الدواء، ويذكر لنا القسطي، ، وهو أحد كبار مؤرخي بغداد، أن أبا قريش حَمَل لَقَب أول صيدلاني، وذلك إلى جانب زميله إسحق العَبَادي والد عالم الترجمة المعروف بحنين بن إسحاق، وقد أُطلِقَ عليه لقب الصيدلاني للدلالة على الشخص “الحاذق بجمع الأدوية واختيار الأجود منها ومعرفة أنواعها وعما إذا كانت تستخدم منفردة أو مُركَّبة على أفضل التراكيب”، وسنتطرق فيما يلي إلى تفاصيل أكثر حول أسباب التسمية وأصل هذا اللقب الذي كان جديداً ومبتكراً آنذاك.
ورغم نُدْرَة المعلومات حول حياة ودراسة أبي قريش الصيدلاني ؛ غيرَ أنَّ كتب التراجم أورَدَت قِصصاً وروايات عن مواقف وتحديات عاشها هذا العالم، فكان أبو قريش يُثبت في كلِّ مرَّة كفاءته العلمية وجدارته بالانتساب إلى الأُسرة الطبية. نذكر من ذلك هذا الموقف الذي جمعه بزوج الخليفة المهدي، والذي كان سبباً في دخوله قصر الخلافة؛
يروى أن أبا قريش كان صيدلانياً ضعيفَ الحال جداً، فتشكت الخيزران حظية المهدي وكانت من مولَّدات المدينة، وتقدمت إلى جاريتها بأن تُخرِج القارورة إلى طبيب غريب لا يعرفها، فكان أبو قريش يملك دكاناً بسيطاً بالقُربِ من قصر المهدي، فقصدته الجارية وأرته القارورة، فقال لها: “لِمَن هذا الماء؟” فقالت: “لامرأة ضعيفة”، فقال: “لا، بل لملكةٍ جليلةٍ عظيمة الشأن وهي حُبلى بملك”.
قريش الصيدلاني
بغداد التي اجتذبت كبار العلماء والباحثين.
انصرفت الجارية من دُكَّان أبي قريش وعادت إلى سيدتها تخبرها بما قال الحكيم، ففرحت الخيزرانة بذلك فرحاً شديداً وقالت: “ينبغي أن تضعي علامةً على دكانه حتى إذا صَحَّ قوله اتخذناه طبيباً لنا”.
بعد مُدَّة، ظَهر الحَمْلُ وفَرِحَ به الخليفة المهدي فرحاً شديداً، فأنفذت الخيزران إلى أبي قريش خلعتين فاخرتين وثلاثمائة دينار وقالت: “استعن بهذه على أمرك.، فإن صحَّ ما قلته استصحبناك”، فعَجِب أبو قريش من ذلك وقال: “هذا من عِنْدِ ربِّي عز وجل لأني ما قلته للجارية إلا وقد كان هاجساً من غير أصل”، ولما ولدت الخيزران موسی شقيق هارون الرَّشيد، سُرَّ المهدي بذلك سُروراً عظيماً وحدثته الخيزران بما حصل مع أبي قريش فاستدعاه ليخاطبه فلم يجد عنده عِلماً بالصِّناعة إلا شيئاً يسيراً من علم الصيدلة، إلا أنَّ المهدي اتخذه طبيباً لما جَرى منه واستصحبه وأكرمه الإكرام التام وحَظي عنده بمرتبةٍ سامية.
يَنْبُوتْ: (خرنوب المِعزى عند أهل الشَّام): الخَرنُوب النَّبَطي ينبغي أن يُؤكَل منه وبفرط إذا أفرط الطَّمْث، وقيل: إنَّ قشرهُ يفتت الأسنان العَفِنَة وينفع من وجعها ويقلعها بلا حديد.
إحدى وصفاته الطبية.
نشأة علم الصيدلة وازدهاره في العصر العباسي :-
لقد كان كتاب العالم اليوناني ديسقوريدس “الحشائش”، الذي ترجمه ابن باصيل و حسداس بن شبروات وابن جلجل إلى العربية لأول مرة، بين أهم وأول المصادر التي اتخذها المسلمون مرجعًا لهم في مجال الصيدلة، فبنوا عليه مؤلفات عديدة واستنبطوا منه نظريات وأفكار جديدة.
ويعود أصل كلمة “الصيدلة” أو “صَيْدلاني” إلى لفظة “جندناني وجندي”، وإلى كلمة “جندل” الهندية على وجه الخصوص، وهي ترجمة كلمة “صندل”، وهو نبات طيب الرائحة، يتداوله الناس على شكل قطع من الخشب تعرف برائحتها الزكية، وقد تم ربط هذا النبات العطري بمجال الصيدلة لأن هذا المجال لم يكن يشمل قديماً علوم الدواء والغذاء فقط، بل كانت الصيدلية تعني المكان الذي يُباع فيه الدواءُ والعطر.
وقد ازدهر علم الصيدلة بمعناه القديم والحديث عِنْدَ العَرب منذ بداية القرن الرابع الهجري، بفعل النشاط الذي عرفه مجال الترجمة وما حملته الكتب الهندية واليونانية من معارف غزيرة كانت بمثابة أساس خصب بنى عليه العرب معارف ونظريات جديدة أكثر تطوراً، فوَضَع علماء العرب والمسلمين كتباً متخصصة في مجال الأدوية والعقاقير، تشرح تركيب الأدوية واستعمالاتها وأطلقوا على هذه الكتب اسم “الأقرباذين” أي “دستور الأدوية والعقاقير”، هذا إضافة إلى إنشاء البيمارستان أو المستشفيات التي ضمَّت أشهر وأمهر أطباء وصيادلة العرب آنذاك.
قريش الصيدلاني
أبو قريش وسواه ساهموا في تطور علم الصيدلة في العالم الإسلامي. وهنا نقتبس قولا لأبي العباس القلقشندي (ت 812 هـ) حيث يصف الركن المتخصص بالصيدلة في البيمارستان ببغداد، يقول: “كان فيها من أنواع الأشربة والمعاجين النفيسة، والمربيات الفاخرة، وأصناف الأدوية، والعطور الفائقة التي لا توجد إلا فيها، وفيها من الآلات النفيسة والآنية الصينية من الزبادي والبراني ما لا يقدر عليه سوى الملوك، ويقف الصيدلي بباب الصيدلية لابساً ثيابه البيضاء يصرفُ الدواء ومن ورائه الرفوف الممتلئة بالأدوية والقوارير”.
ومن خلال وصف القلقشندي نستطيع أن نأخذ فكرة عن التجهيزات التطور الذي بلغه العرب في مجال الصيدلة في العصر العباسي على وجه الخصوص، ومدى انفتاح الثقافة العربية على نظيراتها الأخرى في مجال التطبيب.
عاش أبو قريش الصيدلاني في بيئة ترعى العلوم والمعرفة، فاستفاد من هذه البيئة المنفتحة، وفي مقابل ذلك، قدَّم بعض المساهمات ذات القيمة، وإن لم تكُن مدوَّنة في كُتُب.
شح المعلومات حول حياة أبي قريش الصيدلاني :-
أبو قريش الصيدلاني لم تتناوله لم كتب التراجم من حيث تاريخ مولده أو وفاته، كما لم تؤرِّخ لحياته وإنجازاته، فحسب ما ذكرته هذه المصادر، لم يكن ذا علمٍ غزيرٍ أو شهاداتٍ علميةٍ كثيرة، وإنما كان حكيماً عالماً بقواعد علم الصيدلة وذا خبرة جيدة في مجاله رغم كونه لم يخلف أي كتب أو رسائل في هذا المجال، وقد يكون ذلك سبب عدم اهتمام المؤرخين بحياته |
|
|
|