ذات مرة قرأت لوحة مكتوبًا عليها {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ}. ما زلت أتذكر هذه اللوحة بالرغم
من أنني لا أتذكر المكان ولا الموقف، ولكن وقعت في نفسي موقعًا.
فما زلتُ أردد: أنا لا أريد السلام الذي يتخطى الفهم؛ أريد الفهم الذي يجلب السلام.
منذ أكثر من عام وأنا أود الحديث عن هذا الموضوع، الحديث عن السلام الداخلي، الذي هو حالة تناغم مع مكوناتك
بوصفك إنسانًا؛ لذا دائمًا أتمعن في دعاء الاستخارة العظيم، خاصة في آخر الدعاء "ثم رضّني به".
قمة من قمم السلام الداخلي نتربى عليها في دعاء الاستخارة. ليس اختيار الله لي الخير فقط، بل يرضّني به
حتى لا يكون فيه قلق نفسي نابع من: لماذا لم أختر الخيار الآخر؟!
وليس من معاني السلام الداخلي أن الذي تريده سيصير لك، أو العكس، لكن السلام الداخلي في عمقه
كما في قوله تعالى {فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}.
إن أول قانون للسلام الداخلي هو وعيك بأن هذه الدنيا فيها آلام؛ فهي ليست حياة بدون مشاكل، بل فيها ما فيها..
لكن وعيك بذلك هو أول خطوة؛ فعندما تواجه أي مشكلة يجب ألا تنهار.
كذلك لا تعتقد أنك الوحيد في هذه الحياة الذي يواجه المشاكل؛ فقد عاش خير الخلق وخير البشر نبينا
محمد -صلى الله عليه وسلم- لحظات آلام، وأنبياء الله كذلك.
فكيف نحن إذن؟! لذا ينبغي أن تتذكر: ستصل للسلام في حياتك عندما تُدرّب نفسك على التعامل مع المواقف
والحياة كما هي، وليس كما تتمنى أن تكون. فمن أجل سلامك الداخلي، وتصالحك مع ذاتك، عوِّد نفسك على عدم الكره.
حتى لو اضطررت، انتقل إلى عدم الحب، وليس إلى الكره.
وقد تسألني: وماذا عن الناس الذين آذونا؟ أقول لك: الكره شعور بداخلك، يُتعبك أنت، ولا يضرهم. قد تقول: غصب عني، ليس بيدي.
أقول: عندما تتأمل أن الكره يؤذيك ستتوقف عنه. وتذكر: سلامك الداخلي هو كنزك الأهم.
ويجب أن تثق بتدبير الله، الذي دبر هذا الكون؛ فأنت لست في حالة حرب مع نفسك. وأيضًا تذكر أن السلام الداخلي يأتي
مما تشغل عقلك فيه طوال المدة الفائتة (الوقت)؛ فينبغي أن يكون لديك تقبُّل وتغيير للأفكار، فتنظر للزوايا الإيجابية.
ما أجمله من شعور عندما تسمع المنادي {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ}.
اطمئن.. ليس بعد العسر إلا اليسر، ولا يغلق الله بابًا إلا ويفتح خيرًا منه، وإن ضاق بك الحال
فتذكر أن غيرك يحلم ببعضه؛ فالحمد لله على كل شيء.
همست في نفسي بسلام وقلت: جميل هو القلب الذي يعيش على أمل أن كل شيء سيكون بخير
وكل الأمور المقسومة كذلك لنا خير، حتى وإن كانت وجعًا.
يوم جديد وأملنا بالله يزيد.
اللهم بشِّرنا بما يسرُّنا، وكُف عنا ما يضرنا يا رب. اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
_ بقلم : بدر.