..
جزء فيه: (سنة الفزع للصلاة حين المصيبة والبأس)
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فإننا نعيش اليوم فتنًا عظامًا، ومِحَنًا جسامًا، صيَّرت حياة الناس - إلا ما رحم الله - إلى أمرٍ مَريجٍ، وهلعٍ شديدٍ، مما يَفرض على المسلم الذي يريدُ النجاةَ فرضًا حتميًّا أن يكون له ركنٌ شديد يأوي إليه، ويجعله في ضرورةٍ ما بعدها من ضرورة لأَنْ يتحصَّن في حصنٍ حصين يفزع إليه.
ومِن فضل الله علينا ورحمته بنا: ما شرعه من وسائلَ وأسباب تُحقِّق لنا ذلك الشأن الكبير، ولا جَرَمَ أن مِن أعظمها الصلاةَ التي تتبوَّأ في منهاج النبوة تلك المنزلةَ العالية الرفيعة؛ فإنها مفزَعُ الأنبياء والمرسَلين، وحصنُ الصحابة والتابعين. ولذا جرى جمع هذا الجزء، محررًا من نصوص الكتاب، وصحيح السُّنة، وآثار الصحابة والتابعين، وتقريرات الأئمة في (سُنة الفزع للصلاة حين المصيبة والبأس)؛ إحياءً لمنهاج النبوة، وسيرًا على جادَّة سلف الأمة.
الأصل في ذلك:
1- مِن كتاب الله عز وجل:
قول الله تعالى: ï´؟ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ï´¾ [البقرة: 45]، وقوله تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ï´¾ [البقرة: 153]، وقوله تعالى: ï´؟ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ï´¾ [الحجر: 97، 98].
يقول الإمام الطبري رحمه الله: "فأَمَرَه - جل ثناؤه - في نوائبِه بالفزع إلى الصبر والصلاة"[1].
ويقول رحمه الله: "يقول تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: ولقد نعلمُ يا محمد أنك يضيقُ صدرك بما يقول هؤلاء المشركون من قومك، من تكذيبهم إياك، واستهزائِهم بك وبما جئتهم به، وأن ذلك يحرجُك...، فافزع فيما نابك من أمرٍ تكرَهُه منهم إلى الشكرِ لله والثناء عليه، والصلاةِ، يَكْفِك اللهُ مِن ذلك ما أهمَّك، وهذا نحو الخبر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه "كان إذا حزبه أمرٌ، فَزِع إلى الصلاة"[2].
وهو أحد أوجه التفسير في قوله تعالى: ï´؟ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ï´¾ [يونس: 87].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "وقال الثوري...، عن ابن منصور، عن إبراهيم: ï´؟ وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ï´¾ [يونس: 87]، قال: كانوا خائفينَ، فأُمِروا أن يُصلُّوا في بيوتهم[3].
وكذا قال مجاهد[4]، وأبو مالك، والرَّبيع بن أنس، والضحاك، وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم، وأبوه زيد بن أسلم.
وكأن هذا - والله أعلم - لمَّا اشتد بهم البلاء من قِبَل فرعون وقومه، وضيَّقوا عليهم، أُمِروا بكثرة الصلاة، كما قال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ï´¾ [البقرة: 153]، وفي الحديث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلَّى؛ أخرجه أبو داود"[5].
2- من السُّنة الصحيحة:
عن صُهَيب رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى همس شيئًا لا نفهمه ولا يُحدِّثنا به، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فطنتم لي؟))، قال قائل: نعم، قال: ((فإني قد ذكرتُ نبيًّا من الأنبياء أعطي جنودًا من قومه، فقال: مَن يكافئ هؤلاء، أو مَن يقوم لهؤلاء؟)) - أو كلمة شبيهة بهذه، شك سليمان - قال: ((فأوحى الله إليه: اختَرْ لقومِك بين إحدى ثلاثٍ: إما أن أُسلِّط عليهم عدوًّا من غيرهم، أو الجوع، أو الموت))، قال: ((فاستشار قومه في ذلك فقالوا: أنت نبي الله، نَكِلُ ذلك إليك، فخِرْ لنا))، قال: ((فقام إلى صلاته))، قال: ((وكانوا يفزعون إذا فزعوا إلى الصلاة))، قال: ((فصلَّى، قال: أما عدوٌّ مِن غيرهم، فلا، أو الجوع فلا، ولكن الموت))، قال: ((فسلط عليهم الموت ثلاثةَ أيام، فمات منهم سبعون ألفًا، فهَمْسي الذي ترون أني أقول: اللهم يا رب، بك أُقاتِل، وبك أصاول، ولا حول ولا قوة إلا بالله))[6].
وعن حذيفة رضي الله عنه، قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه[7] أمرٌ صلى"[8]، وفي لفظ: "إذا حزَبه أمرٌ، فزع إلى الصلاة"[9].
وعن علي رضي الله عنه، قال: "لقد رأيتُنا ليلةَ بدرٍ وما منا إنسان إلا نائمٌ، إلا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يصلِّي إلى شجرة، ويدعو حتى أصبح"[10].
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقال: ((سبحان الله، ماذا أُنزِل الليلة من الفتن، وماذا فُتح من الخزائن، أيقِظوا صواحبات الحُجَرِ، فرُبَّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة))[11].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وفي الحديثِ استحبابُ الإسراع إلى الصلاة عند خشيةِ الشر؛ كما قال تعالى: ï´؟ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ï´¾ [البقرة: 45]، وكان صلى الله عليه وسلم إذا حزَبه أمرٌ فزع إلى الصلاة"[12].
3- من آثار الصحابة رضي الله عنهم والتابعين:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه نعي إليه أخوه قُثَمُ وهو في سفرٍ، فاسترجع، ثم تنحَّى عن الطريقِ، فأناخ، فصلَّى ركعتينِ أطال فيهما الجلوس، ثم قام يمشي إلى راحلتِه، وهو يقول: ï´؟ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ï´¾ [البقرة: 45]"[13].
وعن ثابت البناني قال: "شكا قيِّمٌ لأنس بن مالك في أرضِه العطشَ، قال: فصلَّى أنسٌ ودعا، فثارت سحابةٌ حتى غشيت أرضَه حتى ملأت صِهْرِيجَه[14]، فأرسل غلامَه، فقال: انظر أين بلغَتْ هذه، فنظر فإذا هي لم تَعْدُ أرضَه"[15].
وعن حُميد بن عبدالرحمن بن عوف، عن أمِّه أم كلثوم بنتِ عقبة بن أبي مُعَيط، رضي الله عنها، وكانت من المهاجرات الأُوَل، في قوله تعالى: ï´؟ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ï´¾ [البقرة: 45]، قالت: "غُشِي على عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه غشية ظنوا أن نفسَه فيها؛ فخرجت امرأتُه أمُّ كلثوم إلى المسجد لتستعينَ بما أُمِرت أن تستعين من الصبر والصلاة، قال: فلما أفاق، قال: غُشِي علي؟ قالوا: نعم، قال: صدقتم، إنه أتاني ملكانِ في غشيتي هذه، فقالوا: انطلِقْ نُحاكِمك إلى العزيز الأمين، قال: فانطلَقا بي، قال: فلقيهما ملَكٌ آخر، فقال: أين تريدانِ؟ قالا: نحاكمه إلى العزيز الأمين، قال: فأرجعاه، فإن هذا ممن كتب لهم السعادة وهم في بطون أمهاتهم، وسيُمتِّع الله بَنِيه ما شاء الله، فعاش شهرًا ثم مات"[16].
وعن علقمة[17] رحمه الله، قال: "إذا فزعتم مِن أُفُق من آفاق السماء، فافزَعوا إلى الصلاة"[18].
4- تقريرات الأئمة:
يقول الإمام محمد بن نصر المروزي[19] رحمه الله:
"فزعه صلى الله عليه وسلم عند الشدائد إلى الصلاة:
ولقد ذُكِر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى بأهله شدَّةً أو ضيقًا، أمرهم بالصلاة، وأمر الله عبادَه أن يأتمُّوا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأمرهم محمدٌ صلى الله عليه وسلم إذا رأَوُا الآيات التي يخافون فيها العذابَ - أن يفزعوا إلى الصلاة، فقال: ((إن الشمس والقمر آيتانِ مِن آيات الله، فإذا انكسفت فافزعوا إلى الصلاة))، وفزِع هو إلى الصلاة، ولا نعلم طاعةً يدفع الله بها العذاب مثل الصلاة، فصلَّى عند الكسوف بزيادةٍ في الركوع، وبكى في سجوده، وتضرَّع"[20].
وقال رحمه الله: "وما زال مَفزَعُ المؤمنين عند كلِّ مهمٍّ من أمر الدنيا والآخرة إلى مناجاة ربِّهم في الصلاة، حتى آدم عليه السلام، فمَن دونه من الأنبياء"[21].
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله في شأن الصلاة:
"فلها تأثيرٌ عجيب في حفظ صحَّة البدن والقلب، وقُواهما، ودفع الموادِّ الرديئة عنهما، وما ابتُلي رجلان بعاهةٍ أو داءٍ أو محنة أو بليَّة، إلا كان حظُّ المصلِّي منهما أقلَّ، وعاقبته أسلَمَ.
وللصلاة تأثيرٌ عجيب في دفع شرور الدنيا، ولا سيما إذا أُعطِيَت حقَّها من التكميل ظاهرًا وباطنًا، فما استُدفعت شرورُ الدنيا والآخرة، ولا استُجلِبت مصالحُهما بمثلِ الصلاة، وسرُّ ذلك أن الصلاة صلةٌ بالله عز وجل، وعلى قدر صلةِ العبد بربه عز وجل تُفتح عليه من الخيرات أبوابها، وتُقطع عنه من الشرور أسبابها، وتَفيض عليه موادُّ التوفيق من ربه عز وجل، والعافية والصحة، والغنيمة والغنى، والراحة والنعيم، والأفراح والمسرَّات كلها محضرة لديه، ومسارعة إليه"[22].
تطبيقات عملية لهذه السُّنة:
ويدخل في دائرةِ هذه السُّنة العظيمة عددٌ من الصلوات المعيَّنة التي جاءت في السنة الصحيحة على وجه التقييد والتخصيص، وهي بمثابة تطبيقات عملية لهذه السُّنة؛ وهي:
أ- الصلاة عند حدوث أي آيةٍ من الآيات المفزِعة المُخِيفة، كما هو الشأن في الزلازل، والبراكين، والأعاصير المدمِّرة، والظُّلمة الشديدة، والعواصف العاتية، والرياح المستمرَّة المُخيفة، والفيضانات الهائلة؛ لِمَا ثبت عن قتادة وعاصم، عن عبدالله بن الحارث، عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أنه صلَّى في زلزلةٍ بالبصرة، فأطال القنوت، ثم ركع، ثم رفع رأسه فأطال القنوت، ثم ركع، ثم رفع رأسه فأطال القنوت، ثم ركع فسجد، ثم قام في الثانية ففعل كذلك، فصارت صلاته ستَّ ركعات وأربع سجدات، قال قتادة في حديثه: هكذا الآيات، ثم قال ابن عباس: هكذا صلاة الآيات"[23].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وتُصلَّى صلاة الكسوف لكل آيةٍ؛ كالزلزلة وغيرها، وهو قول أبي حنيفة، ورواية عن أحمد، وقول محقِّقي أصحابنا وغيرهم"[24].
ويقول رحمه الله: "ولهذا كانت الصلواتُ مشروعةً عند الآيات عمومًا؛ مثل: تناثر الكواكب والزلزلة وغير ذلك، والتخويف إنما يكون بما هو سبب للشر المخوف؛ كالزلزلة والريح العاصف، وإلا فما وجودُه كعدمِه لا يحصُل به تخويف"[25].
وهذا القول نصَره العلَّامة الفقيه ابن عثيمين رحمه الله، ورجَّحه بعد أن ساق ثلاثةَ أقوال في مسألة الصلاة بالنسبة للآيات:
أولها: أنه لا يُصلى لأي آية تخويف إلا الزلزلة.
الثاني: أنه لا يصلى إلا للشمس والقمر.
الثالث: يصلى لكل آية تخويف.
ثم ذكر رحمه الله عللًا وحججًا في ترجيح هذا القول الثالث، وختم البحث بقوله: "وهذا الأخير هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، له قوة عظيمة، وهذا هو الراجح"[26].
ب- صلاة الخسوف والكسوف:
عن عائشةَ زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: خَسَفَتِ الشمسُ في حياةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرَج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، فقام وكبَّر، وصفَّ الناسُ وراءه، فاقتَرَأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءةً طويلة، ثم كبَّر فركَع ركوعًا طويلًا، ثم رفع رأسه، فقال: ((سمِع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد))، ثم قام، فاقترأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر، فركع ركوعًا طويلًا هو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: ((سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد))، ثم سجد - ولم يذكر أبو الطاهر: ثم سجد - ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، حتى استكمل أربع ركعات، وأربع سجدات، وانجلَتِ الشمسُ قبل أن ينصرف، ثم قام فخطب الناس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: ((إن الشمس والقمر آيتانِ من آيات الله، لا يَخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتموها فافزعوا للصلاة))، وقال أيضًا: ((فصلُّوا حتى يفرج الله عنكم))[27].
جـ- صلاة ركعتين بعد أن يرى الإنسانُ ما يكرَهُ من رؤى مزعجةٍ مُقلِقة:
لِمَا ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا اقترب الزمانُ لم تَكَدْ رؤيا المسلم تكذب، وأصدقُكم رؤيا أصدقكم حديثًا، ورؤيا المسلم جزءٌ من خمس وأربعين جزءًا من النبوة، والرؤيا ثلاثةٌ: فرؤيا الصالحة بُشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يُحدِّث المرء نفسه، فإن رأى أحدُكم ما يكره، فليَقُمْ فليُصلِّ، ولا يُحدِّث بها الناس))[28].
و- صلاة ركعتين قبل أن يُقتَلَ الإنسان:
لِمَا ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سريَّةً عينًا، وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت - وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب - فانطلَقوا حتى إذا كان بين عُسْفَانَ ومكة ذُكروا لحيٍّ من هُذيل يقال لهم: بنو لحيان، فتبعوهم بقريب من مائة رامٍ، فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلًا نزلوه، فوجدوا فيه نوى تمرٍ تزوَّدوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثربَ، فتبِعوا آثارهم حتى لحقوهم، فلما انتهى عاصمٌ وأصحابه لجؤوا إلى فَدْفَدٍ، وجاء القوم فأحاطوا بهم، فقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا ألا نقتُلَ منكم رجلًا، فقال عاصم: أما أنا، فلا أنزل في ذمَّة كافر، اللهم أخبِرْ عنا نبيَّك، فقاتَلوهم حتى قتلوا عاصمًا في سبعة نفرٍ بالنَّبل، وبقي خُبَيب، وزيد، ورجل آخر، فأعطوهم العهد والميثاق، فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إليهم، فلما استمكنوا منهم حلُّوا أوتار قِسِيِّهم، فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث الذي معهما: هذا أول الغدر، فأبى أن يصحبَهم، فجرَّروه وعالجوه على أن يصحبهم، فلم يفعل فقتَلوه، وانطلقوا بخُبَيب وزيد حتى باعوهما بمكة، فاشترى خُبيبًا بنو الحارث بن عامر بن نوفل، وكان خُبيب هو قتل الحارث يوم بدر، فمكث عندهم أسيرًا، حتى إذا أجمعوا قتله، استعار مُوسى من بعض بنات الحارث ليستحدَّ بها فأعارته، قالت: فغفلتُ عن صبيٍّ لي، فدرج إليه، حتى أتاه فوضعه على فخذِه، فلما رأيتُه فزعت فزعة عرَف ذاك مني وفي يدِه الموسى، فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعلَ ذاك إن شاء الله، وكانت تقول: ما رأيت أسيرًا قط خيرًا من خُبيب، لقد رأيتُه يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذٍ ثمرة، وإنه لموثقٌ في الحديد، وما كان إلا رزقٌ رزقه الله، فخرجوا به من الحرم ليقتلوه، فقال: دعوني أصلِّي ركعتين، ثم انصرف إليهم، فقال: لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدتُ، فكان أول من سنَّ الركعتين عند القتل هو، ثم قال: اللهم أحصِهم عددًا، ثم قال:
ولست أُبالي حين أُقتَلُ مسلمًا على أيِّ شقٍّ كان لله مصرعي وذلك في ذاتِ الإله وإن يَشَأْ يُبارِكْ على أوصالِ شلوٍ ممزَّعِ ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله[29].
ز- صلاة أربع ركعات من أول النهار:
لِمَا ثبت عن نعيم بن همار الغطفاني رضي الله عنه، أنه سمِع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله عز وجل: يا بن آدم، لا تَعجِزْ عن أربع ركعاتٍ من أول النهار أَكْفِك آخِرَه))[30].
..