بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
هذا الاستواء يتناقض مع وجود الله مستحيل وإلا هناك عبثية، إنسان مستقيم وقاف عند حدود الله يخشى الله، يعاون الناس جميعا، هذا تريد أن يعامل كما يعامل إنسان متفلت مسيء " أم حسب الذين اجتر حوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات " دعك من الآخرة، الآخرة يوم الدين، يوم الحق، في الدنيا قال " سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون " لا محياهم ولا مماتهم يختلفون، فلما الإنسان يطبق منهج الله عز وجل له خريف عمر متألق وأنا الذي أعرفه الإنسان عندما ينضج يصبح عطاؤه كبير جدا، يقولون ( ضربة المعلم بألف ) فإذا الإنسان الله متعه بعقله، متعه بملكاته، متعه بصحته، وهو في نضج شديد يمكن في السنوات بعد الخمسين يعطي عطاء كبير جدا، هذا الذي أردت أن يكون من خلال قوله تعالى " ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا " فالإنسان يكون وقاف عند حدود الله، يضبط لسانه، أحيانا يتكلم كلمة قوية يدفع ثمنها باهظ، يضبط لسانه، يضبط دخله، يضبط إنفاقه، بيته، أسرته، أولاده، والله عز وجل يتكفل لك بأن يعاملك معاملة ترضى بها عن الله.
قال يا ربي هل أنت راض عني، إنسان يطوف حول الكعبة، فكان وراءه الإمام الشافعي فيما يروى، قال له يا هذا هل أنت راض عن الله حتى يرضى عنك، قال يا سبحان الله كيف أرضى عنه وأنت أتمنى رضاه، قال له: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله، هو:
﴿ رضي الله عنهم ورضوا عنه﴾
(سورة التوبة الآية 100)
والبارحة:
﴿ ولسوف يرضى (21)﴾
(سورة الليل)
يعني أنت عندما تصلي صلاة متقنة يأتيك الخير من الله عز وجل سوف ترضى عن الله، هذه واحدة، النقطة الثانية إخواننا الكرام دقيقة جدا من أجل توضيح الآية لابد من مثل، إذا قلنا في مساحة هذه المساحة كل ما فيها يعصي الله، وفي مساحة ثانية للطائعين، فربنا عز وجل يسوق مصيبة لينقل الإنسان من أرض المعصية إلى أرض الطاعة هذه مصائب تأديب، الآن دخل إلى أرض الطاعة لكن أين موقعه، أرض الطاعة لها مواقع كثيرة، في موقع قريب من حدود المعصية يعني أقل إغراء أو أقل ضغط " يفرط "، هو انتقل من منطقة المعصية إلى الطاعة لكن قد يكون مكانه على الحد فأي إغراء أو أي شدة ينتكث يعود إلى ما كان عليه، في إنسان مقامه بعد بمتر، بعد بمترين، بعد بثلاث، أرض الطاعة عريضة وبعدين متصاعدة، واحد وصل إلى الأعماق وإلى الارتفاعات العالية، لا ضغط لا سياط الجلادين اللاذعة ولا سبائك الذهب اللامعة تؤثر فيه، ففي مصائب لنقلك من المعصية إلى الطاعة، وفي مصائب لنقلك من موقع إلى موقع في الطاعة، يعني واحد مثلا يظن نفسه خيرا وفعلا صالح لكن مقاومته " لو فرضنا نأخذها قضية مالية " جاءه عرض بمبلغ حرام يرفضه، هو رافض الألف والألفين والثلاث والخمسة والعشرة والمائة ألف رافضهم، فجاءه عرض بمليونين، فماذا يحصل معه ؟ يجوز بهذا المبلغ يلين مع أنه كان يظن نفسه بحجم أكثر بكثير فالله حجمه، في مصائب الابتلاء غير مصائب التطهير، إنسان مقيم على معصية عنده مصائب خاصة، كل معصية لها مصيبة، من أجل أن ينقلك الله من منطقة المعاصي إلى الطاعات، الأن دخلت في الطاعات، في عندك عندك ابتلاء، الابتلاء له هدفين: التعريف بموقعك، والحث للانتقال لموقع آخر، عرفك أنت أين، أعطاك دفع تنتقل لموقع آخر، لذلك هذا معنى قوله تعالى:
﴿ ومن الناس من يعبد الله على حرف﴾
(سورة الحج الآية 11)
هو أطاع الله واصطلح معه لكن موقعه على حرف حدود المعصية، الذي يقف هنا لا يحتمل أي ضغط، أي ضغط ينتكث، أو أي إغراء ينتكث، يعني فتاة تصرفه عن دينه كله، أما هو:
﴿ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا (23)﴾
(سورة الأحزاب)
عاهدنا رسول الله على السمع والطاعة في المنشط والمكره، تجد شخص مثلا في جامع أحد أركان المسجد، يعني هذا عاهد الله عز وجل، تأتيه ظروف صعبة، يقل دخله كثيرا، في عنده مشكلة في البيت يمرض أحد أولاده، مثلا يفتقر، يهدد أحيانا، يخاف، لا يغير.. عاهد الله.. هذا ركن من أركان الدين، وفي شخص على الرخاء الشديد متألق أي ضغط، أي إغراء انتهى، هذا على الحرف، فربنا عز وجل لكي لا يغشنا، يعني بالدنيا في مهمة يجب أن تعرف موقعك في الدين، أنا لا آكل قرش حرام، كلام طيب، على أي مبلغ تبقى ثابت مثلا، يجوز على مبالغ ضئيلة تبقى ثابت، أما مبلغ كبير تقول والله أنا عندي أولاد يا أخي، اختلف الوضع يقول لك البلوى عامة، إن شاء الله برقبته، مباشرة يغير كل مبادئه لأن المبلغ كان كبير شاهده يحل كل مشاكله، فربنا عز وجل قام بامتحانه فسقط في الامتحان، عره بموقعه، موقعك هنا يا عبدي أنت توهم حالك هنا وأنت هنا انتقل إلى موقع ثاني، فدائما مصائب التأديب مصائب نقل من معصية للطاعة، لكن مصائب الابتلاء من نوع ثاني، مصائب نقل من موقع إلى موقع في الطاعة نفسها، من موقع قريب للخطر موقع فيه انزلاقات إلى موقع آمن، لذلك المؤمن في الأعماق، يعني والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه، هذا الموقف:
﴿ ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين (11)﴾
(سورة الحج)
بالمناسبة: وطن نفسك في عندك بحياة أي مؤمن ثلاث مراحل مرحلة التأديب، ومرحلة الابتلاء، ومرحلة التكريم، هذه المراحل قد تكون متمايزة وقد تكون متداخلة، يعني في مصيبة تأديب وفي معصية لها مصيبة، الآن مستقيم استقامة تامة، في مصائب الامتحان لكي تعرف موقعك، حتى الإنسان لا يدعي موقع غير موقعه، تأتي مصيبة محجمة، أنت هنا، انظر على إغراء بسيط تركت الصلاة، على إغراء بسيط تكلمت كلام خلاف قناعتك، على خوف بسيط أدليت بكلام لا يتناسب مع عقيدتك، عرفك موقعك الجديد الآن انتقل إلى موقع آخر، إذا أنت نجحت في الامتحان الثاني الآن تدخل مرحلة التكريم والله أعلم.
الآية الثالثة في هذه الجلسة، يقول الله عز وجل:
﴿ من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ (15)﴾
(سورة الحج)
العلماء في هذه الآية لهم تفسيرات شتى، أبسط تفسير أن اليائس من رحمة الله كافر موته كحياته، التفسير الثاني أن الإنسان إلى عادى الحق هل معاداة الحق تمنع أهل الحق أن يكرمهم الله عز وجل، الله عز وجل إن أراد أن يكرم مؤمنا لا ينتظر أي شهادة من أحد له هو يعرفه، يعني رغم أنف خصومه، ورغم أنف حساده، ورغم أنف العاطلين عن العمل، يعني بالمناسبة كنت أقول دائما في إنسان لا يخطئ دائما هو رسول الله معصوم لكن في معه واحد ثاني لا يغلط هو الذي لا يعمل، كل إنسان لا يعمل شيء مرتاح يقوم بالتنظير والنقد والطعن بالآخرين هذا إنسان سيئ جدا لأنه لا يعمل، الذي يعمل يخطئ، فهذا الذي يحسد أهل الحق، والآية عن رسول الله" من كان يظن أن لن ينصره الله " لهذا النبي " في الدنيا والآخرة " كره النبي وكره دعوته وينتظر به المصائب:
﴿ إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها﴾
(سورة آل عمران الآية 120)
هذا يروي غليله أن يصاب النبي بإحباط، بمرض، بانهيار، بهزيمة، قال: " من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع" ليقطع عنه الوحي، ليقطع عنه تأييد الله عز وجل هذا المعنى الثاني، المعنى الثالث هو أقرب معنى لنا أيام يقول لك واحد أنا ليس لي حظ في هذه الدنيا أينما توجهت مسدودة، أضربها يمين تأتي يسار، يعني تاجرنا بالأكفان لم يمت أحد، ( يتكلموها العوام كثيرا ) تجده أينما يعمل مسدودة ما في حركة، هذا وضع غير صحيح، يقول الله عز وجل " من كان يظن " يعني من كان يتوهم " أن لن ينصره الله " لن يوفقه، لن يؤيده،.. وهم.. " فليمدد بسبب إلى السماء " ليعمل عملا خالصا لله عز وجل ثم ليقطع كل معصية وكل مخالفة ثم لينظر كيف ان معاملة الله تتبدل تبدلا جذريا، لا تيئس إذا أنت عندك وهم أن الأمور كلها ضدك كلما طرقت بابا أغلق، كلما سلكت سبيلا سد أمامك، هذه يقولها أناس كثيرون، يقولون ( وين ما تحركت مسدودة )، الحل اعمل عمل صالح لوجه الله ثم ابحث عن الحركة اليومية هل هناك مخالفات شرعية، هل هناك مخالفات في البيت، في العمل، في كسب المال، في الحواس ثم" فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ " هذا وهم شيطاني سيزول لأن الله سيوفقه والله عز وجل من كرمه العظيم إذا أنت تحركت نحوه حركة:
(( عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد ومن جاء بالسيئة فجزاؤه سيئة مثلها أو أغفر ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة))
بمجرد أن تتحرك نحو الله سوف تجد استجابة وانشراح صدر وتوفيق بالعمل، الله عز وجل رب كريم ومربي حكيم، إذا أنت تقربت هو يقترب منك أضعاف، فهذا المعنى الثالث أوضح معنى يناسبنا جميعا " من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة" في عنده طريقة يعمل عمل صالح مبني على استقامة " ثم ليقطع " في المنكر " فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ " في عنده حالة غيظ هو، عنده إحباط، عنده شعور بالإخفاق، فإذا عمل عمل صالح واستقام الله يبدل له كل معاملته.
والحمد لله رب العالمين
جزا الله تعالى كل الخير للشيخ الفاضل
محمد النابلسي
والاخوة القائمين على هذا العمل الطيب وتقديمه لاخوانهم المسلمين
آخر تعديل الــســاهر يوم
26 - 11 - 2023 في 04:48 PM.